التنمية الجهوية
Posté par amorbelhedi le 13 mai 2011
التنمية الجهوية بعد الثورة. الواقع والآفـــــــاق
عمر بالهادي
مداخلة في مقر حركة الديمقراطيين الاشتراكيين – الجمعة 13 مـاي 2011 – الساعة 16
للتنمية الجهوية والمحليى إهمية بالغة ولقد كان البعد المجالي واضحا جليا في الثورة التونسية من حيث المنطلق والمسار ويشكل في الآن نفسه محددا أمآلها ولمستقبل البلادا القريب والبعيد.
1 – المنطلق والحصيلة
أ – من اختلال إلى آخر
تميزت البلاد التونسية قبيل الاستقلال باختلال التوازن الجهوي أوالإقليمي بين الشمال من جهة والوسط والجنوب من جهة ثانية وذلك نتيجة العوامل الطبيعية أساسا (المناخ، التربة…) والاستعمار بالخصوص حيث تركزت الجالية الأوروبية بأخصب الأراضي الفلاحية بالشمال وبأهم المدن في الوقت الذي اقتصر فيه توطن هذه الجالية على بعض الضيعات في الوسط والجنوب أو في الحوض المنجمي. وقد ركز التقرير الاقتصادي والاجتماعي للاتحاد العام التونسي للشغل سنة 1956 على هذه الظاهرة وقدم في هذا الصدد بعض الاقتراحات لدمج التراب التونسي تم اعتماد جزء هام من هذا البرنامج في ما بعد في إطار التجربة التعاضدية خلال الستينات عندما أصبح الأمين العام للمنظمة كاتب دولة للتخطيط والفلاحة والاقتصاد.
أما اليوم فإننا نلاحظ أن أكبر اختلال مجالي يوجد بين السواحل والدواخل بالإضافة إلى ذلك التفاوت الموجود بين المدن والأرياف أو بين مختلف المناطق داخل الولاية الواحدة. هذا الاختلال الجهوي يعد السمة المميزة لدولة الاستقلال وهي أساسا نتيجة مقاربة مخطئة للتنمية الترابية.
وبداية من التسعينات نلاحظ انحسارا أكبر للمجال الاقتصادي التونسي داخل مثلث يضم كلا من الشمال الشرقي والساحل يربط بين بنزرت والمهدية وقليبية بتوازي مع التراجع النسبي لباقي المناطق الساحلية وتنقية وظيفية للعاصمة تونس لفائدة هذه الواجهة الساحلية.
ب – الحصيلة : التركز الساحلي
1- تمثل الواجهة الساحلية الشرقية أهم منطقة يتركز فيها السكان والتجهيزات والاقتصاد والثروة.
- 68،4% من السكان مع نسب نمو تفوق المعدل الوطني (1.21% سنويا منذ 1984).
- 51% من المناطق السقوي، 60% من الانتاج والصادرات الفلاحية
- 94% من الشغل الصناعي والسياحي
- 75% من القيمة المضافة
- 67% من السيارات و86،4% من حواسيب نوادي الانترنات…
- أعلى مستويات الإنفاق الأسري
هذا الشريط تميز باستقطاب السكان والهجرة منذ الاستقلال حيث يمثل منطقة مستقطبة للسكان النازحين والمهاجرين من أرياف ومدن المناطق الداخلية. فالسواحل كانت تمثل %64,7 من السكان سنة 1956 وهي تمثل اليوم ما يزيد عن %68.4.
أما نسبة سكان الحضر فتزيد عن ذلك بكثير لارتفاع نسب التحضر بالسواحل، فهي تضم أهم المدن وأكثرها دينامية ديمغرافية واقتصادية : فعلى مجموع 26 مدينة الأولى نجد أن 23 تتجاوز نسبة نموها بين 1994-2004 المعدل الوطني خلافا لللدواخل التي نجد فيها 22 من بين 26 مدينة نسب نموها دون المعدل الوطني (1,2). في هذا الشريط الساحلي تحتل العاصمة مكانة متميزة من حيث الوزن والوظيفة.
ج – أهمية العاصمة
تحتل العاصمة تونس مكانة هامة في هذا الشريط الساحلي حيث تمثل أهم قطب اقتصادي وتجمع سكاني.
- %23 من السكان و%33.6 من سكان المدن
- 43% من عدد الطلبة و52% من مخابر البحث، 47,5% من حواسيب نوادي الانترنات
- 35.5% من الشغل الصناعي و56% من المؤسسات الجديدة سنة 2009
وقد تدعمت مكانة العاصمة ديمغرافيا منذ الاستقلال حيث مرت من % 16 من السكان سنة 1956 لتصل إلى %20.8 سنة 1984 و%23 سنة 2004. أما اقتصاديا فإننا نلاحظ أنه رغم تخفيف التركز على العاصمة وتطور المناطق الأخرى لا تزال العاصمة تحافظ على نسب هامة من النشاط الاقتصادي حيث تمثل أكبر قطب للهجرة منذ الاستقلال دون انقطاع ومركز تسيير اقتصادي لا نجد بجانبه إلا مدينتي صفاقس وسوسة في مراتب بعيدة جدا. هناك عملية تنقية وظيفية للنسيج الاقتصادي لفائدة الواجهة الساحلية وخاصة الشمال الشرقي ومنطقة الساحل في الوقت الذي أصبحت تحتكر فيه العاصمة الأنشطة العصرية والمتطورة تكنولوجيا.
د – المناطق الداخلية
في هذا الإطار نجد أن المناطق الداخلية لا تمثل إلا نسبة محدودة من النشاط الاقتصادي والتجهيزات والمرافق رغم شساعة الرقعة الترابية وأهمية السكان.
تمثل المناطق الداخلية مناطق مهمشة بحكم الاختيارات المتبعة منذ الاستقلال ولقد تتالت الأزمات منذ فترة انطلاقا من أزمة الحوض المنجمي سنة 2008 التي نجح النظام القائم في محاصرتها مجاليا آنذاك إلى القصرين و بن قردان في أوت 2010 .
في هذا الإطار تتفاوت مكانة مختلف المناطق الداخلية حيث نجد أن الوسط الغربي يمثل أقلها تطورا ويأتي قبل الشمال الغربي والجنوب الغربي وليس من باب الصدفة أن تنطلق الثورة من الوسط الغربي.
هــ – الوسط الغربي : منطلق الثورة ؟
يمثل الوسط الغربي منذ نهاية الثمانينات أكبر منطقة مهجرة أصبحت تحتل الصدارة من حيث الهجرة قبل الشمال الغربي الذي كان يحتل هذه المرتبة إلى حدود الثمانينات؟
فالهياكل الاجتماعية (نسبة الخصوبة ونسب النمو الطبيعي) والروابط الأسرية (أهمية الأسرة الممتدة والروابط العروشية والقبلية) ساهمت إلى حد كبير بجانب الجانب العقاري المتمثل في أهمية الأراضي الجماعية، كلها عوامل ساهمت في شد السكان حتي إلى فترة قريبة. لكن توزيع الأراضي الجماعية وتدني مستوى الدخل أديا إلى تدفق الهجرة نحو السواحل خاصة الوسط الشرقي أو القطر الليبي.
مستوى الإنفاق الفردي في السنة حسب المناطق 1975- 2004 (د)
1975 |
1990 |
2005 |
|
الشمال الغربي |
242 |
509 |
1138 |
الوسط الغربي |
475 |
501 |
1416 |
القطر |
475 |
1007 |
2390 |
فالمناطق الغربية وبدرجة ثانية الجنوبية، تتميز بأهمية الفلاحة الممتدة وأهمية الوظيف والبطالة بالإضافة إلى انخفاض مستوى التحضر وأهمية تشتت السكن بالأرياف مما يطرح إشكالية التنمية بحدة في هذه المناطق راهنا ومستقبلا.
هذا الوضع جاء نتيجة المقاربة المتبعة والاختيارات المعتمدة على مستوى التنمية الترابية منذ الاستقلال.
2 – المقاربة والإختيارات
لقد كان لحركة التحرر ضد الاستعمار ولبناء الدولة الحديثة بعد الاستقلال دور في إعطاء الأولوية المطلقة للجانب الاقتصادي وتركيز السلطة.
أ - أولوية البعد الاقتصادي : بناء الاقتصاد الوطني
تمثلت المقاربة المعتمدة أساسا في أولوية البعد الاقتصادي في بناء الدولة الحديثة مما أدى إلى اعتبار النمو كهدف أساسي » للحاق بركب الأمم المتقدمة » ومن ثم اختيار المناطق التي تؤمن ذلك لتوطين مختلف المشاريع. النتيجة الحتمية كانت التركيز على المناطق المحضوضة آنذاك وتركز الاستثمار بها بصفة مبرمجة أو عفوية : % 60 من الاستثمار العمومي و80% من الاستثمار الخاص في المناطق الساحلية.
من الاندماج الترابي إلى الاندراج في العولمة
يمكن القول هنا أن توجهات الدولة خلال الستينات كانت في اتجاه الاندماج الترابي للقطر وبعث أقطاب تنموية في الداخل تمثلت في معامل تكرير السكر بباجة وورق الحلفاء بالقصرين والصوف بالحاجب ومواد البناء بالحامة وجمال. لكن حتمية تعويض الصناعات الموردة وتأميم الصناعات الاستعمارية وأزمة بنزرت مع الجلاء كلها عوامل أدت إلى تدعيم الشريط الساحلي (تونس، صناعات بنزرت ومنزل بورقيبة، المعامل الميكانكية بالساحل، موبلتيكس بالمنستير، صناعات النسيج بقصر هلال، الفوسفاط بصفاقس). من جهة أخرى، أدى إنشاء المناطق السياحية والمطارات والتجهيزات المصاحبة لها بكل من الحمامات – نابل وسوسة – المنستير وجربة – جرجيس إلى تعزيز الشريط الساحلي. هذه الانجازات أدت إلى جعل الشريط الساحلي منطقة استقطاب جعلت من العاصمة والساحل والوطن القبلي مناطق جذب سكاني واقتصادي.
خلال السبعينات، جاءت الصناعات التصديرية الخاضعة لقانون 1972 والتي غزت جل المدن الساحلية في الوقت الذي ساعد فيه الانفتاح على إرساء اقتصاد تخارجي عززه بعث المركب الكيميائي بقابس والميناء.
أما خلال الثمانينات والتسعينات فنجد الطرق السيارة والمناطق الحرة بكل من بنزرت وجرجيس والمحطة السياحية بالقنطاوي ثم الياسمين-الحمامات والمنطقة السياحية بالمهدية. أخيرا، نجد كل المشاريع المنجزة أو بصدد الانجاز أو الدراسة خلال العقدين الأخيرين مثل ضفاف البحيرة بتونس العاصمة، المحطات السياحية بهرقلة والسلوم، مطار وميناء النفيظة، كل البرامج بالعاصمة (سماء دبي، المرسى المالي…) وكذلك الجامعات والأقطاب التكنولوجية.
أما في الداخل فإن تدخل الدولة اقتصر على بعض المشاريع المحدودة أو التي تم العدول عنها لاحقا كالمحطة السياحية بطبرقة، الاسمنت الأبيض بالشمال الغربي، المركب الكيميائي بقفصة والمطار، السياحة الصحراوية بتوزر…
كان المخطط السادس أول مخطط يخصص فصلا كاملا للتنمية الجهوية قد تم في إطاره بعث المندوبية العامة للتنمية الجهوية التي تولت إعداد خريطة الأولويات الجهوية سنة 1982 وبرنامج التنمية الريفية المندمجة وأمثلة الجهوية للتنمية لكل من الشمال والوسط الغربيين والجنوب.
لقد حضي التخطيطي الاقتصادي والقطاعي بأولوية واضحة خلافا للتخطيط المجالي والترابي الذي بقي في درجة ثانوية من حيث الدور والمهام وانعكس ذلك بشكل واضح على مستوى التنمية الترابية.
في التهيئة الترابية : عدم وضوح الرؤيا
كان للتجربة التعاضدية الأثر البالغ في اندلاع موجة جديدة للنزوح والهجرة نحو المدن والعاصمة أساسا خلال النصف الثاني من الستينات وبداية السبعينات مما جعل المدن تسجل نسب نمو مرتفعة جدا ودفع السلط للقيام بدراسة عامة » الوحدات الحضرية 1969، المدن والتنمية 1973″ وعدة دراسات شملت أهم المدن كتونس وصفاقس وسوسة وقابس مع بداية السبعينات للتحكم في النمو الحضري وتلبية الحاجيات من خلال التجهيزات والمرافق. أما القانون الأساسي للبلديات فيرجع إلى سنة 1975. وكانت أولى أمثلة التهيئة العمرانية مع نهاية السبعينات (تونس، صفاقس…) ولم توضع مجلة التعمير إلا في سنة 1979 في الوقت الذي كانت فيه التهيئة الترابية غائبة وعلينا أن نترقب سنة 1994 للمصادقة على مجلة التهيئة الترابية والتعمير.
في سنة 1985 تم إعداد المثال الأول للتهيئة الترابية الذي اعتمد التوازن الجهوي كاختيار جعل من كل منطقة تعتمد على ذاتها لشد سكانها لكن الأزمة التي عرفتها البلاد أجبرتها على التخلي عن جل المشاريع التي كانت مبرمجة آنذاك وإتباع برنامج الإصلاح الهيكلي والاندراج في العولمة من بابها الكبير من خلال الاتفاقية القمرقية مع الاتحاد الأوروبي سنة 1996 وتأهيل الاقتصاد الوطني طيلة 12 سنة (1996-2008) ليكون جاهزا سنة 2008 التي مثلت في الواقع سنة انطلاق الأزمة من جديد بداية من الحوض المنجمي.
في هذا الإطار تم إعداد المثال الثاني للتهيئة الترابية لسنة 1996- 1998 الذي اندرج كليا في سياسة الانفتاح وتخلي الدولة الراعية عن مهمتها وخصخصة المؤسسات العمومية غير الإستراتيجية (؟) أو غير المربحة (؟) كمعامل الاسمنت، والإتصالات… هذا المثال اعتمد تقسيم البلاد التونسية إلى قسم ناجع ومؤهل لإستقطاب الأنشطة الإقتصادية حول حواضر جهوية والتجهيزات الأساسية يتمثل في الشريط الساحلي وقسم آخر قدره الإعانة والمعونة والدولة تتعده من خلال إعادة التوزيع والبرامج الإجتماعية بالمناطق الداخلية. ومن حسن الحظ أنه لم تقع المصادقة على هذا المثال التوجيهي أو المديري للتهيئة نظرا للتبعات السياسية المنجرة عنه. في الواقع نلاحظ أن جزءا هاما من التوجهات تم فعلا اعتمادها بصفة غير مباشرة وهو ما سارت عليه دائما السلطة.
من ناحية ثانية، نجد أن إدارة التهيئة كانت في البداية تابعة للإقتصاد الوطني مع بداية السبعينات وتم إلحاقها في ما بعد بالتجهيز ثم ب التخطيط مع نهاية الثمانينات ومن جديد بالفلاحة ثم بالبيئة وأخيرا بالتحهيز. هذا التردد وهذه الضبابية تعكسان في الواقع خدم وضوح الرؤيا على مستوى المهام والدور والانتماء.
ب – مركزية الاستثمار ودور الدولة
المتمعن في المعطيات يجد هناك علاقة متينة بين الاستثمار وجل المؤشرات الاقتصادية ومستوى المرافق الاجتماعية من جهة، بين مستوى الاستثمار والتشغيل من جهة ثانية، بين الاستثمار العمومي (الدولة) والاستثمار الخاص وأخيرا بين حجم الاستثمار الجهوي في فترة ما وحجمه في الفترة اللاحقة؟ هناك إذن حلقة محددة تديرها الدولة وتعتبر المفتاح لكل عملية تنموية.
ج – تغييب الجانب السياسي: غياب الجماعات الترابية
لقد وقع تغييب البعد السياسي وذلك لبناء الدولة الحديثة التي قامت على تدمير كل السلط الأخرى وتغييبها وحتى العمل على حذف أسماء الولايات التي ترمز إلى انتماءات ترابية جهوية مثل نفزاوة، الجريد أو الوطن القبلي التي تواجدت في السنوات الأولى من الاستقلال. فأسماء الولايات ترتبط بمراكزها فقط (ولاية بنزرت، ولاية الكاف…). كان هذا في البداية له تبرير تمثل في القضاء على العروشية والقبلية لكن لا نجد له تفسيرا بعد عدة عقود حاصة وان الحزب الحاكم استغل الانتماء العروشي والقبلي في جل المناسبات السياسية؟
في هذا الاطار سعت السلطة المركزية إلى تعزيز وجودها في المناطق من خلال تنظيم مجالي عمودي لا مجال فيه لسلطة أخرى. فمجلس الولاية لم يحدث إلا سنة 1963 تحت إشراف الوالي الذي يعد ممثل رئيس الدولة في الولاية. في سنة 1989 تم إحداث المجالس الجهوية للتنمية التي تضم نواب الولاية ورؤساء البلديات وممثلي المصالح الجهوية وبالتالي كانت هذه المجالس تمثل لونا واحدا هي الدولة-الحزب الحاكم مع نسبة محدودة لأحزاب الموالاة في الفترة الأخيرة (قانون جويلية 2010 الذي مكن هذه المعارضة من التدرج من 7 إلى 22 بالمائة).
أما المجالس المحلية فكانت تضم رؤساء البلديات مع العمد المعينين تحت رئاسة المعتمد في حين أن المجالس القروية تضم 5-6 أعضاء معينين تحت رئاسة العمدة.
فلا وجود لتمثيل حقيقي للسكان لا على مستوى الولاية أو المعتمدية أو الجهة التي لا وجود لها بالبلاد التونسية وهو مستوى لا بد من خلقه ليكون مجالا للتنمية الجهوية والتهيئة الترابية على المستوى الاقليمي. هذه المؤسسات لا بد أن يضمنها الدستور لتكون سلطة ممثلة وكذلك لتشكل سلطة مضادة تعدل من طغيان وزيغ السلطة المركزية بجانب الأحزاب والمجتمع المدني.
د – البعد الاجتماعي : التعديل، التأطير والإحتواء
في هذا الإطار كان الطابع الاجتماعي والسياسي يميزان جل البرامج التنموية لتعديل الدورة الاقتصادية والتخفيف من حدة الأزمات المحلية والجهوية وتقليص الفوارق ولو بصفة محدودة بين المدن والأرياف والحد من النزوح. فكان برنامج التنمية الريفية سنة 1973 لتثبيت السكان في الأرياف وكان بعد ذلك برنامج التنمية الريفية المندمجة ثم الحضرية المندمجة وكذلك برامج التنمية الجهوية سنة 1987 التي ليس فيها من الجهوي سوى قاعدة التوزيع بين الولايات. فجل البرامج تتسم بعدم الاندماج ولها طابع قطاعي وتحمل في طياتها معالجة تقنية لمسألة التنمية المحلية والجهوية : عملية نثر لبرامج قطاعية دون أي أدنى تنسيق في الزمان والمكان ومن حيث الارتباط التقني بين مختلف العمليات المبرمجة من طرف الوزارات كل على حدة تجمع بين روضة الأطفال وجزء من مسلف فلاحي وقاعة علاج وحديقة…؟
ه – محدودية المشروع والمجهود
لم تسجل برامج اللامركزية إلا بعض الحالات المحدودة من خلال المؤسسات التي حولت مقراتها الاجتماعية مثل شركة فوسفاط قفصة أو ميبلاتكس أو المركب الكيميائي.
كما أن سياسة تخفيف التمركز فقد استفادت منها المناطق البينية والوسطى التي توجد في الحزام الثالث أساسا في الوقت التي لم تستقطب فيه المناطق الطرفية والولايات الحدودية إلا نسبة محدودة جدا رغم كل الامتيازات الممنوحة منذ بعث صندوق اللامركزية الصناعية سنة 1977 (Foprodi) وقوانين 1981 و1987 ومجلة الاستثمارات سنة 1993 وكل النصوص اللاحقة لتحديد مناطق التنمية ذات الأولوية إلى حدود 2010.
أما فبرامج التنمية الجهوية (PRD) لا تتجاوز %11 بالمائة من الاستثمار العمومي و%5.2 من إجمالي الاستثمار. فهل بهذه النسب تسوى مسألة التنمية الجهوية والمحلية؟
3 – النتيجة : ثنائية الإقصاء والمطلبية والنضال
يمكن أن نتبين من خلال ما سبق أن هناك ثنائية مجالية على مستوى الإقصاء والمطلبية مما يجعل الملائمة بينهما عملية معقدة وتحدد مستقبل الثورة والبلاد.
أ – من جهة نجد أن السواحل والمدن الكبيرة والمتوسطة (خاصة الصناعية والسياحية منها) تتمتع باقتصاد متنوع ومتطور وتمتلك شريحة اجتماعية متوسطة هامة وقع تهميشها على المستوى السياسي أساسا. من هذا المنطلق نجد أن المطلب الأساسي يتمثل في المشاركة السياسية والديمقراطية والحرية وكذلك المطلبية المهنية التي تفاقمت بصفة ملحوظة بعد الثورة سواء كانت موجهة أو عفوية وغير مؤطرة تماما.
ب – من جهة ثانية نجد المناطق الداخلية والريفية وبعض المناطق الفقيرة بالسواحل التي تعيش بالإضافة إلى التهميش السياسي تهميشا آخر أكثر ضراوة وأكبر وقعا يتمثل في الإقصاء الاجتماعي والاقتصادي بالأساس بالإضافة إلى الجانب السياسي. من هذا المنطلق نجد أن المطلب الأساسي يتمثل في التشغيل والتنمية والحد من الفساد.
هذه الثنائية الإقصائية أنتجت ثنائية مطلبية ونضالية تتمثل في النضال السياسي-الإيديولوجي من ناحية والنضال الاجتماعي-الاقتصادي من جهة أخرى. فمطلب الفئات الشعبية رافقه ولو بصفة متأخرة وأطره المطلب السياسي للشرائح المتوسطة والنخب التي تكون ربما استحوذت على الثورة من خلال التأطير الايديولوجي وإعطاء الأولوية للجانب الحزبي والإيديولوجي والانتخابي والقانوني على حساب البعد الاقتصادي والتنموي والاجتماعي.
هذه الثنائية نجدها كذلك في مسار الثورة حيث نرى أن قافلة الكرامة التي انطلقت من الدواخل ردت عليها قوافل التضامن والاعتراف من السواحل وأساسا من العاصمة. وأن إعتصامات القصبة مثلت المراحل الفارقة في مسار الثورة وساهمت في تجذيرها رغم تردد النخب والمجتمع السياسي إزاءها وحتى رفضها في البداية من جهة أخرى مع الالتفاف عليها في ما بعد. فنلاحظ إلى حد اليوم أن الجانب السياسي لا يزال طاغيا على الساحة على مستوى النقاشات في الصحف والأحزاب والهيئة العليا ووسائل الإعلام ربما نظرا لما تتطلبه المرحلة الراهنة ولضغط الزمن المرتبط بالانتخابات وبموعد 24 جويلية 2011 في الوقت الذي نجد فيه أن البعد التنموي والاقتصادي يكاد يكون مغيبا تماما. هذا الوضع ينذر بالخطر نظرا لأهمية البعد الجهوي والترابي في صيرورة الثورة والذي كان قداحة الثورة التي انطلقت من أكثر المناطق فقرا وأقلها نموا على الإطلاق وعلى كل المستويات.
4 – تونس في مفترق الطرق
لقد بينت العديد من الدراسات في العالم أن التنمية الجهوية والهيكلة الترابية تكاد تكون مستحيلة عندما تكون هذه المؤشرات ضعيفة أو مرتفعة وذلك لمحدودية الموارد في الحالة الأولى وصعوبة المسألة في الحالة الثانية. فالحالة الوسطى تمثل المرحلة المواتية للعمل الجهوي وتغيير البنى التحتية والترابية.
فالبلاد التونسية توجد منذ الثمانينات في هذه المرحلة التي تمثل مرحلة حرجة وفارقة بالنسبة إلى التنمية الجهوية والتهيئة الترابية حيث تتميز:
- بمستوى دخل متوسط
- نسبة تحضر مرتفعة تجاوزت 50 بالمائة منذ 1975 وتفوق اليوم ثلثي السكان
- نسبة تشغيل صناعي متوسطة تتراوح بين 15 و20 بالمائة
- نسبة تمدرس مرتفعة
كما تجدر الإشارة إلى أن التنمية الجهوية تخدم المصلحة الوطنية بصفة غير مباشرة فوجود بنية ترابية متوازنة يضمن تجنب المخاطر الداخلية والخارجية والتأقلم مع جل الظروف الاقتصادية ويضمن التنمية المستدامة التي لا تتوفر إلا بتوفر بنية مجالية مستدامة، تفتح باب المستقبل على مصراعية ولا تستجيب فقط لمقتضيات الظرف الراهن والمدى القصير.
II – التنمية الترابية ومقوماتها
1 – التنمية الترابية
تتمثل التنمية الترابية عامة والجهوية أو المحلية خصوصا في تطور الثروة من خلال ارتفاع الأجور والمداخيل للأفراد والمؤسسات وتطور الإنتاج المادي واللامادي للمجتمع وهو ما يتمثل في النمو. هذا النمو يفضي في مرحلة لاحقة إلى تحول نوعي هيكلي للتركيبة الاجتماعية والذهنية والسلوكية و إلى تطور المرافق والتجهيزات الاجتماعية والاقتصادية تتمثل في التقدم والحداثة.
هذه العملية تتطلب الاعتماد على الذات أساسا ولو بنسبة محدودة مما يتطلب توفر مقومات الاستقلالية كالسلطة والمؤسسات والتمويل مما يضمن الاستدامة التي تمثل شرطا أساسيا من شروط التنمية والتي تجعلنا اليوم نتحدث أكثر من قبل عن التنمية المستدامة.
فالتنمية الترابية عامة سواء كانت جهوية أو محلية أو وطنية تتطلب وجود جماعة ترابية ممثلة للسكان تسهر على شؤونهم وتمكنهم من المساهمة الفعلية في تصور واقعهم وتحديد مستقبلهم بصفة تشاركية في إطار المواطنة والإنصاف والديمقراطية.
2 – الجماعة الترابية
هي جماعة ممثلة لسكان منطقة محددة تدير شؤونها وتتمتع باستقلالية نسبية وبموارد مالية تمكنها من تصريف أعمالها والتدخل في كل الجوانب التي تهم المجموعة. ويمكن أن نتبين في هذا الإطار عدة مستويات ترابية تتدرج من البلدية إلى المعتمدية والولاية والجهة أو الإقليم.
وتجدر الإشارة إلى أن المستوى الإقليمي غير موجود بالبلاد التونسية في الوقت الذي نجده في جل البلدان الديمقراطية (فرنسا، أسبانيا…) بالإضافة إلى البلدان الفيدرالية (الولايات المتحدة، ألمانيا، البرازيل، الهند…) التي نجد بها من 3 إلى 4 مستويات ترابية تسيرها هيئات منتخبة وتتمتع بصلاحيات واسعة وبإمكانيات تتماشى معها .
3 – أهداف التنمية الترابية
تتلخص أهداف التنمية الترابية في عدة أهداف نذكر منها فقط : التوازن المجالي، المواطنة، الديمقراطية والحوكمة.
أ – التوازن المجالي : يتمثل في العمل على إيجاد بنية ترابية متوازنة قابلة للتأقلم مع جل الظروف الخارجية والداخلية. هذه البنية المتوازنة تتمثل في توزيع معتدل للسكان والمدن والأنشطة الاقتصادية والتجهيزات الأساسية بشكل يضمن تنمية كل أرجاء القطر بشكل متكافئ ومعتدل في كل الظروف الاقتصادية والسياسية الدولية والجهوية. فالتنمية المتوازنة تمثل هدفا في حد ذاتها على المستوى الوطني وتخدم المصلحة العليا للوطن بدرجة أولى وبغض الطرف عن مصلحة كل جهة على حدة. فالمناطق الحدودية يجب أن تحضى بعناية خاصة لدعم المدن والتجهيزات وربط مختلف المناطق ببعضها بغض الطرف عن فتح الحدود على البلدان الشقيقة من دونها أو قيام السوق المغاربية من عدمها. فالهاجس الأمني الذي كان قائما والذي يفسر نوعا ما التهميش الحاصل من الجهتين يجب أن ينقلب إلى هاجس أمني من نوع جديد يتمثل في تحقيق التنمية بهذه المناطق لتكون صمام الأمان.
ب – المواطنة : تتمثل في الإنصاف بين الأفراد والمناطق والحد من الفوارق من خلال خارطة للطريق واضحة بشكل يضمن التنمية التضامنية. فالمواطنة تعني الانتماء إلى نفس الوطن وتفرض المساواة في التعامل بين كل المناطق وتمكينها من نفس الحظوظ. فبالإضافة إلى الحقوق الأساسية التقليدية كالغذاء والصحة والتعليم والتنقل نجد أن دائرة الحقوق لا تنفك تتوسع لتضم حقوق إضافية تتمثل في الحق في التنمية والمساهمة في الشأن العام والمشاركة في كل ما يهم المجموعة. فالمساواة بين الأفراد تفرض وجوبا المساواة بين المناطق وهو ما يفرض تمشيا توافقيا يقبله الجميع من خلال التشاركية والحوار.
ج – التضامن الترابي بين مختلف الجهات : ينبع من منطق مواطني يرتكز على الانتماء إلى نفس الوطن ومن هذا المنطلق على الحق والواجب وليس من باب الشفقة مما يتطلب القيام بإصلاح جبائي شامل يضمن للمنطقة التي تصنع الثروة من الحفاظ على جزء منها و يمكن السلطة المركزية من نسبة تمكنها من الاضطلاع بمهامها و يسمح كذلك المناطق الفقيرة الأخرى من الحصول على نصيبها من الثروة الوطنية. بهذا الشكل نجد أن جزأ من الموارد المتأتية من الجباية المحلية يمكن من تمويل الجماعات الترابية من مستوى أعلى كالولاية أو الإقليم. هذا التضامن الترابي يتماشى نسبيا مع جل الأنماط التنموية المتبعة على المستوى الوطني سواء منها الليبرالية أو الاشتراكية وحتى في إطار العولمة. ففي فرنسا مثلا تحدد ميزانية كل بلدية طبقا لعدد محدد من المقاييس مثل حجم السكان ونسبة التجهيز ومستوى الثروة المحلية…
د – الديمقراطية : ترتكز على تمثيل المناطق والجهات الأحزاب والمنظمات المهنية أو الاجتماعية. بالاضافة إلى ذلك فإن الديمقراطية تبنى من الأسفل وجل الأنظمة الديمقراطية ترتكز على 3 أو 4 مستويات ممثلة ومنتخبة وتتقاسم الأدوار. فالسلطة المحلية (بلدية، ولائية، جهوية) تمثل السكان وتمكن الفرد من أن يكون مواطنا بأتم معنى الكلمة وذلك عبر التشاركية الإيجابية والفعلية في كل جوانب الحياة الاجتماعية في مختلف المستويات الترابية مما يجعل منها سلطة مضادة للسلط الترابية الأخرى (المركزية، الجهوية، المحلية…).
ه – الحوكمة (أو الحكم الرشيد) : تتمثل في المشاركة الفعلية في الشأن المحلي والجهوي والتصور والاختيارات مما يتطلب تشريك كل الفاعلين في المنطقة في عملية وفاقية تضمن اندراج كل الأطراف في العملية التنموية تبعا للمقولة « كل ينجز لفائدتي دون مشاركتي فهو ضدي » (Tout ce qui est fait pour moi sans moi est contre moi). فالدولة تتواجد من خلال من يمثلها كالوالي أو المعتمد الذين يسهران على التنسيق والتنفيذ لكن المسير الفعلي يجب أن يكون منتخبا وممثلا للسكان في شكل مجالس جهوية ومحلية منتخبة تتولى وضع الخطط وتحدد البرامج من جهة ومجالس تقنية تضم المصالح الفنية الجهوية والمحلية تتولى الاستشارة والدراسات. هذه الثلاثية متلازمة للوصول إلى الحوكمة.
فالمواطنة تقتضي اليوم التشاركية الفاعلة في مختلف المستويات الترابية في نفس الوقت بما يعني ذلك استبطان الانتماء إلى عدة ترابيات في نفس الوقت وما يتطلبه ذلك من المساهمة الفعلية في نحت ملامح الغد عبر الحوكمة أو الحوكمة الترابية (géogouvernance) عبر بوابات تفاعلية تمكن المواطن من التدخل في إي وقت لإبداء رأيه وتغيير القرارات وتمكن كذلك المسؤول من الإطلاع على رغبات وتطلعات المواطن لتعديل البرامج والاختيارات.
هذه الحوكمة تتطلب تحديد الفاعلين المحليين والجهويين وجعلهم يندرجون في العملية التنموية وذلك من خلال اضطلاعهم بدور إيجابي وتجذيرهم في الجهة أو المنطقة من خلال بعث بنوك جهوية وشركات جهوية ومحلية للتنمية بدعم من الدولة ومن شأنها أن تؤسس لاقتصاد محلي وجهوي يمكن من توظيف الموارد واستغلال كل الإمكانات والكفاءات المتوفرة للتنمية مما من شأنه أن يخلق دينامية محلية تساهم في شد السكان وحتى حث الإطارات المهاجرة على الرجوع إلى مواطنها إذا ما تحسنت أطر العيش وتوفرت المهن الملائمة.
في النهاية، لا بد من الإشارة إلى حتمية عكس العملية التنموية. فالمجال أو التراب أصبح يمثل عامل إنتاج في حد ذاته بالإضافة إلى العوامل التقليدية في علم الاقتصاد (رأس المال، العمل، الأرض). هذا بجرنا إلى إن ننظر إلى الإمكانات المحلية والجهوية وكيفية استغلالها قبل أن ننظر إلى المعوقات التي تحول دون التنمية.
4 – مقومات التنمية الترابية
تقوم التنمية الترابية على عدة أسس سنقتصر على البعض منها كالجانب المؤسساتي والمالي والجبائي.
أ – خلق الجهة أو الإقليم : يجمع الإقليم عدة ولايات بحيث يمثل حجما مناسبا لتكوين سوق اقتصادية ويشمل عدة أنشطة متنوعة تضمن التكامل والتنافسية في نفس الوقت. هذا الإقليم يتكون حول عاصمة إقليمية تؤطر الجهة وتوفر كل الخدمات الجهوية عبر شبكة حضرية متراتبة تضم عدة مستويات من المراكز. هذه الأقاليم تقطع مع التقسيم الترابي التقليدي للقطر و تضم مناطق ساحلية وداخلية في نفس الوقت لتكوين أقاليم مندمجة على المدى المتوسط والبعيد وتتميز بإشكالية تنموية مميزة.
فخلافا للتنمية المحلية التي يمكن أن تقوم على التخصص وأن تقتصر على أحادية النشاط فإن التنمية الإقليمية لا تقوم إلا على التنوع الاقتصادي مما يضمن التكامل والتكافل والتنافس والنجاعة في نفس الوقت.
ب – توفير وسائل التنمية الجهوية : تتمثل في خلق المؤسسات الدستورية للسلطة الجهوية والاقليمية في شكل مجالس منتخبة تسير شؤون المنطقة بالاستعانة بالجالس التقنية. هذه المجالس تشمل البلدية والمعتمدية والولاية والجهة.
كما تتمثل في بعث صندوق للتنمية الجهوية وصندوق آخر للتنمية المحلية داخل الأقاليم تكون في مرحلة أولى بمبادرة من الدولة وبمساهمة من البنود.
ج – بعث بنوك جهوية وشركات للتنمية بتشريك رأس المال الجهوي والمحلي والبنوك الوطنية العمومية والخاصة.
ه – العمل على اللامركزية الإدارية والاقتصادية بشكل فعلي مع تقييم كل السياسية التي وقع إتباعها إلى حد اليوم. بالإضافة على ذلك يجب العمل على دعم التخفيف من التركز وتفعيل الآليات التي من شأنها أن تشجع التوطن في المناطق الداخلية وتخلق دينامية اقتصادية فعلية تؤدي إلى تعديل الكفة.
و – إصلاح شامل للنظام الجبائي من شأنه أن يمكن المناطق المحضوضة من أن تساهم في تنمية المناطق المحرومة والفقيرة بشكل يمكن من تمويل التنمية الجهوية والمحلي. في هذا الإطار، يجب تقاسم الثروة بشكل يمكن كل السلط الترابية من قسط من التمويل الذاتي يجعلها تتمتع بحد أدنى من الاستقلالية مع سن التضامن المواطني يجعل منه حقا للمناطق الفقيرة وواجبا على المناطق الغنية خلافا للطرح الأخلاقي الذي كان سائدا.
ز – إعداد مثال جديد للتهية الترابية يضبط التوجهات الأساسية بعد الثورة ويخدم الأهداف التي قامت من أجلها كالتوازن الترابي والإقليمي وإعادة هيكلة النظم الحضرية الجهوية وتعديل النظام الحضري الوطني بشكل يضمن التوزيع المتكافئ للثروات والأنشطة والسكان والتجهيزات ويمكن البلاد من بنية ترابية ومجالية متوازنة تؤسس لتنمية مستدامة وقادرة على التلاؤم مع جل الظروف.
ح – فك الانحباس الترابي وربط المناطق ببعضها البعض وذلك من خلال بعث إقتصاديات جهوية متنوعة ومرتبطة عبر شبكات إنتاجية (Filières) ومنظومات إنتاجية ترابية (Systèmes productifs localisés) وكذلك من خلال شبكات نقلية مترابطة اعتمادا على مقتصدات القرب (économies de proximité) والترابط (économies de connexité) مما يخلق اقتصاديات إقليمية قائمة الذات ومتكاملة تعتمد على الإمكانات المحلية والجهوية. هذا الترابط الجهوي يجعل المناطق الداخلية خاصة تنمو بصفة مستقلة عن العاصمة ويعوض سلبيات الموقع الحدودي.
في النهاية، لا بد من طرح المسألة الترابية والمجالية على النقاش العام خلال الفترة الانتقالية لكي يتسنى لكل الأطياف أن تدلي بدلوها في المسألة ويقع حسمها بمساهمة الجميع والتوصل إلى حل يرضي الأغلبية. فالمسألة تتمثل في تحديد مستوى التفاوت المقبول من الجميع مما يتطلب المساهمة في النقاش العام والوصول إلى وفاق يضمن المستقبل ويضمن في الدستور ليكون ملزما للجميع على المدى الطويل ويجنب البلاد هزة أخرى تكون عواقبها وخيمة.
تونس في 11 ماي 2011
Laisser un commentaire