نص صدر في صحيفة الطريق الجديد
لقد علق التونسيون أمالا كبيرة على الدستور الجديد لتحقيق تطلعاتهم التي وقع التغافل عنها طيلة عدة عقود واستجابة لطلباتهم الملحة في التنمية والحرية والديمقراطية عموما والمحلية منها بالخصوص التي قامت من أجلها الثورة. واليوم وقد وقعت المصادقة على الدستور يمكن لنا أن نقوم بقراءة سريعة في ما يخص التنمية الجهوية والسلطة المحلية ومكانتها حسب ما جاء في الباب السابع من الدستور. وتتلخص هذه المسألة في الفصل 12 وفي الباب السابع الذي يخص السلطة المحلية.
جاء الفصل 12 من الدستور الجديد ليجعل من الدولة تعمل على تحقيق التوازن الجهوي استنادا على مؤشرات التنمية واعتمادا على مبدإ التمييز الايجابي وهذا ما سيمكن المناطق المحرومة من تعزيز مكانتها بصفة تدريجية ويمكن الدولة من الحد من اللاتوازن الذي ميز المجال التونسي منذ الاستقلال.
لقد جاء باب السلطة المحلية بمثابة الحجر الأساسي في بناء صرح الديمقراطية المحلية والحد من هيمنة السلطة المركزية التي ميزت مسار التجربة التونسية خلال الجمهورية الأولى. ومن بين هذه الميزات يمكن أن نذكر النقاط التالية :
1 – إرساء السلطة المحلية على أساس اللامركزية وإحداث ثلاثة مستويات من السلطة المحلية تتمثل في البلدية والجهة والإقليم (ف 131).
3 – تعميم هذا التقسيم على كامل الجمهورية. ولئن يبدو ذلك بديهيا على المستويين الجهوي والإقليمي فإن ذلك يعتبر خطوة هامة في تعميم البلديات على كامل التراب الوطني التي لا تزال تشكل نسبة ضئيلة جدا من التراب الوطني رغم تركز ما يناهز الثلثين من السكان ونسبة أكبر من الناتج المحلي (ف 131).
4 – إمكانية بعث جماعات محلية خصوصية مما يفتح الباب إلى خلق جماعات تخص المدن الكبرى التي تضم عدة بلديات أو عدة ولايات كالعاصمة تونس أو تخص المناطق المتفردة أو التي تطرح فيها بعض المشاكل الخصوصية كالمناطق الجبلية، الحدودية أو الصحراوية وغيرها (ف 131).
5 – تتمتع الجماعات المحلية بالشخصية القانونية وبالاستقلالية الإدارية والمالية مما يمكنها من التدبير الحر وعدم خضوعها لهبات السلطة المركزية كما هو الحال الآن (ف132) وتديرها هيئات منتخبة (ف133) بصفة حرة مباشرة (مجالس البلديات والجهات) أو غير مباشرة (مجالس الأقاليم).
6 – اضطلاع الجماعات المحلية بمهام ذاتية بالإضافة إلى المهام المشتركة مع السلطة المركزية والمهام المحالة إليها من قبل هذه الأخيرة وتخصيص موارد تتماشى مع هذه المهام مع إمكانية تمتع هذه الجماعات بنسبة من الموارد الطبيعية (ف136).
7 – تعتمد الجماعات المحلية على الديمقراطية التشاركية والحوكمة المفتوحة مما يضمن المواطنة وإرساء أسس الديمقراطية المحلية في تسيير الشأن العام على مختلف المستويات (ف139).
8 – إمكانية إرساء التعاون بين مختلف الجماعات المحلية لحل مشكل أو تسيير مرفق أو لمصلحة عامة وتكوين شراكات في ما بينها أو مع الخارج بشكل لا مركزي (ف 140).
9 – بعث مجلس أعلى للجماعات المحلية يمثل المجالس المحلية مقره خارج العاصمة من شأنه أن يسمح بتمثيل الجماعات المحلية وإيصال كلمتها والتعبير عن مشاغلها.
من جهة ثانية نجد عدة مؤاخذات على هذا الباب يمكن أن نلخصها في النقاط التالية :
1- هناك خلط مفاهيمي ومصطلحي من شأنه أن يبقي على شيء من الغموض ويفتح الباب إلى التأويل. لقد سميت بالسلطة المحلية ثلاث مستويات من السلط الترابية (ف 131) : السلطة البلدية وهي التي تمثل المستوى المحلي للسلطة، السلطة الجهوية والسلطة الإقليمية. لقد كان من الأجدى أن يقع استعمال مصطلح السلطة الترابية التي تشمل كل مستويات السلط التي تهتم بترابات محددة، تختلف أحجامها وتتدرج من المستوى القاعدي أوالمحلي الذي تمثله البلدية إلى المستوى والوطني مرورا بالمستويات الترابية البينية الأخرى التي تتمثل في المعتمدية والولاية والإقليم.
من جهة أخرى نجد خلطا آخر لا يقل أهمية بين ما هو جهوي وإقليمي. لقد كانت الجهة وإلى اليوم مرادفا، في مستوى الاستعمال، للولاية أكثر من « الإقليم » الذي يضم عدة ولايات من ذلك نجد التقسيم المتداول للبلاد التونسية إلى 6 أو 7 جهات أو أقاليم : العاصمة – الشمال الشرقي- الشمال الغربي – الوسط الشرقي – الوسط الغربي – الجنوب الغربي والجنوب الشرقي. كان من الأجدى الإبقاء على الولاية كتقسيم ترابي للحيلولة دون الخلط بين الجهة والإقليم وبالتالي يندرج المستوى « الولائي » بين المستويين المحلي والإقليمي. أما والحالة على ما هي عليه الآن بعد المصادقة على الدستور يوم 26 جانفي 2014 فإنه يستوجب تعويض اسم الولاية بالجهة لاحقا من خلال القوانين المنظمة للسلطة المحلية لرفع كل خلط ولبس.
2 – لقد نصص الفصل 133 على تمثيلية الشباب ولكنه غفل على تمثيلية المرأة التي تشكل شريحة اجتماعية لا تزال تشكو من سوء التمثيل خاصة على المستوى المحلى عموما وفي المدن الصغيرة وفي المناطق الأقل تطورا بالخصوص.
3 – تمتع الجماعات المحلية بنسبة من عوائد الموارد الطبيعية لا تتعدى حدود الإمكانية التي سيحددها القانون وبالتالي ليست إلزامية (ف136). كان من المفروض أن يكون ذلك قاعدة أساسية في توزيع الثروات مما يمكن من التعديل المجالي والتضامن الترابي بين مختلف المناطق. كما وقع الاقتصار على الثروات الطبيعية فحسب ولم تشمل الموارد الأخرى التي تعتبر هامة في بعض المناطق مثل الموارد الجبائية في المناطق التي تتركز فيها الأنشطة الاقتصادية (الصناعة، الخدمات، السياحة…) مما يستوجب تعديلا جذريا للنظام الجبائي. هذه النسبة تخصص للتنمية الجهوية على المستوى الوطني كما ورد في الفصل 136 وهو لايضيف شيئا للجماعات المحلية المعنية من حيث الموارد حيث تبقى السلطة المركزية هي التي يمكن أن تحدد هذه النسبة من عدمها وتشمل كل المناطق المعنية بالتنمية الجهوية. وهنا نجد إشكالا في معنى الجهوية، فهل المقصود هنا الولاية أو الإقليم؟
4 – المجلس الأعلى ينظر في المسائل المتعلقة بالميزانية والتوازن الجهوي والتهيئية الترابية للكنه ليس له وظيفة تقريرية ولا إمكانية الاعتراض، وما له إلا إبداء الرأي مما يجعل هذا المجلس استشاريا فحسب.
الوقوف عند هذه الهنات سيمكن المجتمع من تجاوز بعضها التي بقيت عالقة بنص الدستور وتعزيز السلطة المحلية لتلعب دورها في إرساء الديمقراطية المحلية وتركيز الجماعات المحلية للحد من اللامركزية المشطة التي لازمت التجربة التي خاضتها البلاد التونسية منذ الاستقلال رغم كل التحسينات والإجراءات التي قامت بها السلط العمومية.