- Tunisie 2040. Renouvellement du projet moderniste tunisien, 2012

Posté par amorbelhedi le 13 septembre 2019

 

Tunisie 2040

Renouvellement du projet moderniste tunisien

Ouvrage collectif ACMACO-CEMAREF, 2012, 550p.

https://www.fes-tunisia.org/fileadmin/user_upload/documents/publications/Contenu_Tunisie_2040.pdf

 

Ma contribution est :
Le mouvement moderniste tunisien et la question spatiale
pp.179-257

Publié dans Ouvrage collectif, Rapport | Pas de Commentaire »

المسألة المجالية في تونس ما بعد الثورة

Posté par amorbelhedi le 19 novembre 2013

                                                                                         المسألة المجالية في تونس ما بعد الثورة

                                                         عمر بالهادي
                                   كلية العلوم الانسانية والاجتماعية  جامعة تونس

          للمسألة المجالية أهمية بالغة في واقع الشعوب وفي مستقبلها ولقد كان البعد المجالي واضحا، جليا في الثورة التونسية من حيث المنطلق والمسار والمطلب ويشكل في الآن نفسه محددا لمآلها ولمستقبل البلاد القريب والبعيد. وتكتسي التنمية الجهوية والمحلية والتهيئة الترابية في هذا المجال منزلة خاصة، وسنقتصر على هذا الجانب في هذه الورقة بحيث سنتطرق إلى مسار وحصيلة العملية التنموية بالبلاد التونسية لنخلص في مرحلة ثانية إلى التهيئة الترابية على أهميتها ونصل في مرحلة أخيرة إلى الرهانات المستقبلية.

I المسألة المجالية

         تكتسي المسألة المجالية أهمية بالغة في مسار الدول والشعوب حيث تحدد التوازنات الداخلية على المستوى الاقتصادي والسياسي والثقافي كما تحدد كذلك العلاقات مع دول الجوار والمحيط الإقليمي. وقد انتبهت جل الدول مؤخرا إلى الأهمية الإستراتيجية للمجال في التوازنات العامة ومستقبل المجتمعات حيث  بدأت سياسات التهيئة تتوضح وتدخل حيز الفعل مع بداية السينات في العديد من الدولع كفرنسا أو إيطاليا في حين أن التنمية الاقتصادية بدأت قبل ذلك، بعيد الحرب العالمية الثانية. وفي تونس نجد أن المسألة المجالية بدأت تطرح نفسها بجدية مع نهاية الستينات مع فشل أولى تجربة تنموية لدولة الاستقلال حيث لم يقع إيلاء المسألة المجالية العناية الكافية رغم وجود نية واضحة للحد من اختلال التوازن الجهوي في الستينات والعمل على الحد من الاختلالات. فأول دراسة وضعت بعض التوصيات لم تتم إلا سنة 7319ِ كما أن أول مثال توجيهي للتهيئة الوطنية لم يتم  إعداده إلا سنة 1985 لكن الأزمة التي شهدتها البلاد آنذاك حتمت مراجعة المثال قبل أن يدخل حيز التنفيذ بعد عشر سنواتِ في إطار اندراج الاقتصاد في العولمة.

1 – الوضع والاشكالية

        لقد مرت البلاد التونسية منذ الاستقلال من اختلال  بين الشمال والجنوب نجم عن  المعطيات الطبيعية والاستعمار إلى اختلال آخر بين السواحل والدواخل نتج عن مختلف التجارب التنموية والسياسات المتبعة من طرف السلطة منذ الاستقلال.

أ – من اختلال إلى آخر
 

         تميزت البلاد التونسية قبيل الاستقلال باختلال التوازن الجهوي أو الإقليمي بين الشمال من جهة والوسط والجنوب من جهة ثانية نتيجة العوامل الطبيعية أساسا (المناخ، التربة، الموارد المائية…) والتاريخ عامة والاستعمار بالخصوص حيث كانت أخصب الأراضي تنحصر بالشمال وكان الاقتصاد يرتكز أساسا على  تركزت الجالية الأوروبية بخصب الأراضي الفلاحية بالشمال. واستوطنت لجالية الاوروبية الاستعمارية بأخصب الاراضي بالشمال، الغربي منه بالخصوص  كحوض وادي مجردة والتل الأعلى… كما استقرت بأهم المدن كالعاصمة ومنزل بورقيبة وبنزرت وبالمراكز الفلاحية مثل سليانة وقعفور والفحص وماطر…أما في الوسط والجنوب فقد اقتصر فيه توطن هذه الجالية على الحبوب والزياتين على بعض الضيعات المحدودة أو على بعض المراكز المنجمية كما هو الشأن في الحوض المنجمي بقفصة أو القلعة الخصباء والجريصة في الشمال في الوقت الذي كان كامل الجنوب يخضع سطة العسكرية. وقد ركز التقرير الاقتصادي والاجتماعي للاتحاد العام التونسي للشغل، سنة 1956، على هذا الاختلال وقدم في هذا الصدد بعض الاقتراحات لدمج التراب التونسي والحد من هذا الاختلال الجهوي. وقد تم اعتماد جزء هام من هذا البرنامج في ما بعد، في إطار التجربة التعاضدية خلال الستينات عندما أصبح الأمين العام للمنظمة الشغيلة كاتب دولة للتخطيط والفلاحة والاقتصاد.

         ونلاحظ منذ السبعينات أن أكبر اختلال مجالي أصبح يوجد بين السواحل والدواخل، بالإضافة إلى التفاوت الموجود  والمعهود بين المدن والأرياف أو بين مختلف المناطق داخل الولاية الواحدة. هذا الاختلال الجهوي بين السواحل والدواخل يعد السمة المميزة لدولة الاستقلال طيلة نصف قرن ويعتبر نتيجة سياسة التنمية الترابية المتبعة أساسا.

         وما تجدر الإشارة إليه أنه مع بداية التسعينات نلاحظ انحسارا أكبر للمجال الاقتصادي التونسي النشيط والذي يتميز بدينامية اقتصادية كبيرة داخل مثلث يضم كلا من الشمال الشرقي والساحل ويربط بين بنزرت والمهدية وقليبية بالتوازي مع التراجع النسبي لباقي المناطق الساحلية وتنقية وظيفية للعاصمة تونس لفائدة هذه الواجهة الساحلية.

ب – الحصيلة : التركز الساحلي 

         1- تمثل الواجهة الساحلية الشرقية أهم منطقة يتركز فيها السكان والتجهيزات والاقتصاد والثروة هي تمثل:

-   68،4% من السكان مع نسب نمو تفوق المعدل الوطني (1.21% سنويا منذ 1984).
-                51% من المناطق السقوي، 60% من الإنتاج والصادرات الفلاحية
-                94% من الشغل الصناعي والسياحي
-                75% من القيمة المضافة
-                67% من السيارات و86،4% من حواسيب نوادي الانترنات…
-                 أعلى مستويات الإنفاق الأسري

هذا الشريط تميز منذ الاستقلال باستقطاب السكان والهجرة الداخلية حيث يمثل منطقة مستقطبة للسكان النازحين والمهاجرين من أرياف ومدن المناطق الداخلية. فالسواحل كانت تمثل %64,7 من السكان سنة 1956 وهي تمثل اليوم ما يزيد عن %68.4.

أما نسبة سكان الحضر فتزيد عن ذلك بكثير لارتفاع نسب التحضر بالسواحل، فالواجهة الساحلية تضم أهم المدن وأكثرها دينامية ديمغرافية واقتصادية. فعلى مجموع 26 من المدن الأولى نجد 23 منها تتجاوز نسبة نموها بين 1994-2004 المعدل الوطني خلافا للدواخل التي نجد فيها 22 من بين 26 مدينة نسب نموها دون المعدل الوطني (1,2). في هذا الشريط الساحلي تحتل العاصمة مكانة متميزة من حيث الوزن والوظيفة والاشعاع.

ج – أهمية العاصمة 

تحتل العاصمة تونس مكانة هامة في هذا الشريط الساحلي وفي كامل القطر حيث تمثل أهم قطب اقتصادي وتجمع سكاني، من ذلك فهي تمثل على سبيل المثال:
-                %23 من السكان و%33.6 من سكان المدن
-                43% من عدد الطلبة و52% من مخابر البحث، 47,5% من حواسيب نوادي الانترنات
-                35.5% من الشغل الصناعي و56% من المؤسسات الجديدة سنة 2009

وقد تدعمت مكانة العاصمة ديمغرافيا منذ الاستقلال حيث مرت من % 16 من السكان سنة 1956 لتصل إلى %20.8 سنة 1984 و%23 سنة 2004. أما اقتصاديا فإننا نلاحظ، أنه رغم تخفيف التركز في العاصمة والتطور النسبي للمناطق الأخرى، لا تزال العاصمة تحافظ على نسب هامة من النشاط الاقتصادي حيث تمثل أكبر قطب للهجرة منذ الاستقلال دون انقطاع، وأهم مركز تسيير اقتصادي لا نجد بجانبه إلا مدينتي صفاقس وسوسة في مراتب بعيدة جدا. منذ السبعينات نلاحظ أن هناك عملية تنقية وظيفية للنسيج الاقتصادي للعاصمة تمت لفائدة الواجهة الساحلية عموما وخاصة الشمال الشرقي ومنطقة الساحل وأصبحت العاصمة تحتكر الأنشطة العصرية والمتطورة تكنولوجيا بصفة جلية ويبرز ذلك من خلال دراسة توزع شركات الاعلامية والتكنولوجيات الحديثة والمجددة (Belhedi A 2007, 2011).

د – المناطق الداخلية 

         في هذا الإطار نجد أن المناطق الداخلية لا تمثل إلا نسبة محدودة من النشاط الاقتصادي والتجهيزات والمرافق رغم شساعة الرقعة الترابية وأهمية السكان. تمثل المناطق الداخلية مناطق مهمشة بحكم الاختيارات المتبعة منذ الاستقلال ولقد تتالت الأزمات منذ فترة، انطلاقا من أزمة الحوض المنجمي سنة 2008 التي نجح النظام القائم آنذاك في محاصرتها مجاليا، إلى القصرين وبن قردان في أوت 2010 .

في هذا الإطار تتفاوت مكانة مختلف المناطق الداخلية حيث نجد أن الوسط الغربي أصبح منذ فترة قريبة (بداية التسعينات) يمثل أقلها تطورا وأصبح يحتل المرتبة الأولي قبل الشمال الغربي وليس من باب الصدفة أن تنطلق الثورة من الوسط الغربي.

هــ – الوسط الغربي : منطلق الثورة ؟ 

يمثل الوسط الغربي منذ نهاية الثمانينات أكبر منطقة مهجرة أصبحت تحتل الصدارة من حيث الهجرة قبل الشمال الغربي الذي كان يحتل هذه المرتبة إلى حدود الثمانينات (MDE 1996).

فالهياكل الاجتماعية (نسبة الخصوبة، نسب النمو الطبيعي) والروابط الأسرية (أهمية الأسرة الممتدة والروابط العروشية والقبلية) ساهمت إلى حد كبير بجانب الجانب العقاري المتمثل في أهمية الأراضي الجماعية، كلها عوامل ساهمت في شد السكان إلى الأرض وموطن النشأة حتى إلى فترة قريبة. لكن توزيع الأراضي الجماعية وتدني مستوى الدخل أديا إلى تدفق الهجرة نحو السواحل خاصة في اتجاه الوسط الشرقي أو القطر الليبي والجدولين المصاحبين يعكسان تدفق رصيد الهجرة الداخلية ومستوى المعيشة في مختلف المناطق عبر مختلف الفترات.

                                   حصيلة الهجرة الداخلية لمختلف المناطق

 الجهة                      1969-75  1979-84        1989-1994        1999-2004
——————————————————————-
تونس                        40.1         45.5                     47.8                       58.5
الشمال الشرقي           -13.8        -6.6                        -0.3                        4.5
الوسط الشرقي              6.1          8.9                       18.6                        49.6
الجنوب الشرقي             1.8          1.2                         -2.7                      -4.5
الشمال الغربي            -31.8      -36.6                      -35.9                    -45.3
الوسط الغربي              -3.5       -12.5                      -23.9                    -52.5
الجنوب الغربي             -2.5         -2.3                        -3.6                  -10.3
——————————————————————-
المصدر : المعهد الوطني للإحصاء

                فإلى حدود نهاية الثمانينات يعتبر الشمال الغربي أكبر منطقة مهجرة ويرجع ذلك إلى بداية القرن الماضي مع استحواذ المعمرين على الأراضي وتواصت مع بداية الاستقلال وخاصة التجربة التعاضدية. ولكن مع بداية التسعينات أصبح الوسط الغربي هو أول منطقة مهجرة لسكانها في حين أن الجنوب الغربي شهد حصيلة سلبية متزايدة منذ نهاية الثمانينات.

               مستوى الإنفاق الفردي في السنة في المناطق الغربية 1975- 2004 (د)

                      975 1   1985     1990   1995    2000   2005
——————————————————-
الشمال الغربي       98        284      501      677      1103    1416
الوسط الغربي       103      324      509      586      909      1138
الجنوب الغربي     101      416      521      711      1017    1466
الجنوب الشرقي    101      359      600      739      1097    1826
الشمال شرقي       132      450      760      958      1190    1613
الوسط الشرقي      166      544      809      1275    1594    2048
تونس العاصمة     260      725      1007    1282    1761    2390
——————————————————-
البلاد التونسية      147     471      716      966      1329    1820
——————————————————-
المصدر : المعهد الوطني للإحصاء

 

         فالمناطق الغربية وبدرجة أقل الجنوبية، تتميز بأهمية الفلاحة الممتدة وأهمية الوظيفة العمومية والبطالة بالإضافة إلى انخفاض مستوى التحضر وأهمية تشتت السكن بالأرياف خاصة بالوسط والشمال الغربيين مما يطرح إشكالية التنمية بحدة في هذه المناطق مستقبلا.

هذا الوضع  المختل كان نتيجة منطقية للمقاربة المتبعة والاختيارات المعتمدة على مستوى التنمية الترابية منذ الاستقلال.

2 – المقاربة والاختيارات 

         لقد كان لحركة التحرر ضد الاستعمار وللسعي نحو بناء الدولة الحديثة بعد الاستقلال دور في إعطاء الأولوية المطلقة للجانب الاقتصادي وتركيز السلطة المركزية الناشئة مما أدى إلى الحد من السلطة الجهوية والمحلية. كما أن الأولوية التي حضيت بها المسألة الاقتصادية جعلت المسألة المجالية ثانوية جدا ولا تطرح إلا عند الأزمات. 

 أ - أولوية البعد الاقتصادي : بناء الاقتصاد الوطني 

         تمثلت المقاربة المعتمدة أساسا في أولوية البعد الاقتصادي في بناء الدولة الحديثة مما أدى إلى اعتبار النمو كهدف أساسي » للحاق بركب الأمم المتقدمة » كما نجد ذلك في الخطاب السائد وخاصة السياسي منه، ومن ثم تم اختيار المناطق التي تؤمن ذلك النمو المرتقب على الصعيد الوطني لتوطين مختلف المشاريع، فالجهة لم تكن إلا ركيزة مجالية ووسيلة لبلوغ الهدف الوطني. النتيجة الحتمية لهذا التمشي كانت التركيز على المناطق المحضوضة آنذاك وتركز الاستثمار بها بصفة مبرمجة أو عفوية حيث نجد % 60 من الاستثمار العمومي و80% من الاستثمار الخاص تتركز في المناطق الساحلية.

* من الاندماج الترابي إلى الاندراج في العولمة

         يمكن القول هنا أن توجهات الدولة خلال الستينات كانت في اتجاه الاندماج الترابي للقطر وبعث أقطاب تنموية في الداخل تمثلت في معامل تكرير السكر بباجة وورق الحلفاء بالقصرين والصوف بالحاجب ومواد البناء بالحامة وجمال… لكن حتمية تعويض الصناعات الموردة وتأميم الصناعات الاستعمارية وأزمة بنزرت مع الجلاء كلها كانت عوامل أدت إلى تدعيم الشريط الساحلي (تونس، صناعات بنزرت ومنزل بورقيبة، المعامل الميكانكية بالساحل، موبلاتيكس بالمنستير، صناعات النسيج بقصر هلال، الفوسفاط بصفاقس). من جهة أخرى، أدى إنشاء المناطق السياحية والمطارات والتجهيزات المصاحبة لها بكل من الحمامات- نابل وسوسة-المنستير وجربة- جرجيس إلى تعزيز الشريط الساحلي. هذه الانجازات أدت إلى جعل الشريط الساحلي منطقة استقطاب جعلت من العاصمة والساحل والوطن القبلي مناطق جذب سكاني واقتصادي.

         خلال السبعينات، جاءت الصناعات التصديرية الخاضعة لقانون 1972 والتي غزت جل المدن الساحلية في الوقت الذي ساعد فيه الانفتاح على إرساء اقتصاد تخارجي عززه بعث المركب الكيميائي بقابس والميناء.

         أما خلال الثمانينات والتسعينات فنجد الطرق السيارة والمناطق الحرة بكل من بنزرت وجرجيس والمحطة السياحية بالقنطاوي ثم الياسمين-الحمامات والمنطقة السياحية بالمهدية… أخيرا، نجد كل المشاريع المنجزة، بصدد الانجاز أو الدراسة أو حتى تلك التي وقع التخلي عنها خلال العقدين الأخيرين مثل ضفاف البحيرة بتونس العاصمة، المحطات السياحية بهرقلة والسلوم، مطار وميناء النفيظة، كل البرامج بالعاصمة (سماء دبي، المرسى المالي…) وكذلك الجامعات والأقطاب التكنولوجية.

         أما في الداخل، فإن تدخل الدولة اقتصر عموما على بعض المشاريع المحدودة ( عدة مشاريع تم العدول عنها مثل سرا ورتان…)،  كالمحطة السياحية بطبرقة، الاسمنت الأبيض بالشمال الغربي، المركب الكيميائي بقفصة والمطار، السياحة الصحراوية بتوزر…

         لقد كان المخطط السادس أول مخطط يخصص فصلا كاملا للتنمية الجهوية وقد تم في إطاره بعث المندوبية العامة للتنمية الجهوية التي تولت إعداد خريطة الأولويات الجهوية سنة 1982 وبرنامج التنمية الريفية المندمجة والأمثلة الجهوية للتنمية لكل من الشمال والوسط الغربيين والجنوب (CGDR 1986)[1].

         لقد حضي التخطيط الاقتصادي والقطاعي بأولوية واضحة خلافا للتخطيط المجالي والترابي الذي بقي في درجة ثانوية من حيث التوقيت والدور والمهام والمؤسسات والتقنيات وانعكس ذلك بشكل واضح على مستوى التنمية الترابية.

* في التهيئة الترابية : عدم وضوح الرؤيا

         كان للتجربة التعاضدية الأثر البالغ في اندلاع موجة جديدة للنزوح والهجرة نحو المدن، والعاصمة أساسا، خلال النصف الثاني من الستينات وبداية السبعينات مما جعل المدن تسجل نسب نمو مرتفعة جدا ودفع السلط للقيام بدراسة عامة « الوحدات الحضرية (Unités urbaines) 1969، المدن والتنمية  (Villes et développement) 1973″ وعدة دراسات مع بداية السبعينات أطرتها إدارة التهيئة الترابة، وشملت أهم المدن كتونس وصفاقس وسوسة وقابس وذلك للتحكم في النمو الحضري وتلبية الحاجيات من خلال التجهيزات والمرافق. أما القانون الأساسي للبلديات فيرجع إلى سنة 1975. وكانت أولى أمثلة التهيئة العمرانية مع نهاية السبعينات (تونس1977 ، صفاقس 1978..) ولم توضع مجلة التعمير إلا في سنة 1979 في الوقت الذي كانت فيه التهيئة الترابية غائبة وعلينا أن نترقب سنة 1994 للمصادقة على مجلة التهيئة الترابية والتعمير.

         في سنة 1985 تم إعداد المثال الأول للتهيئة الترابية الذي اعتمد التوازن الجهوي كاختيار أساسي جعل من كل جهة تعتمد على ذاتها لشد سكانها. لكن الأزمة التي عرفتها البلاد في منتصف الثمانينات أجبرت السلط على التخلي عن جل المشاريع التي كانت مبرمجة آنذاك وإتباع برنامج الإصلاح الهيكلي والاندراج في العولمة من بابها الكبير من خلال الاتفاقية القمرقية مع الاتحاد الأوروبي سنة 1996 وتأهيل الاقتصاد الوطني طيلة 12 سنة (1996-2008) ليكون جاهزا سنة 2008 التي مثلت، في الواقع، سنة انطلاق الأزمة من جديد بداية من الحوض المنجمي.

         في هذا الإطار تم إعداد المثال الثاني للتهيئة الترابية لسنة 1996- 1998 الذي اندرج كليا في سياسة الانفتاح وتخلي الدولة الراعية عن مهمتها وخصخصة المؤسسات العمومية غير الإستراتيجية (؟) أو غير المربحة (؟) كمعامل الاسمنت، والاتصالات… هذا المثال اعتمد تقسيم البلاد التونسية إلى جزء ناجع ومؤهل لاستقطاب الأنشطة الإقتصادية والاندراج في الاقتصاد العالمي وذلك حول حواضر جهوية والتجهيزات الأساسية القاعدية، يتمثل في الشريط الساحلي. أما القسم الآخر فقدره الإعانة والمعونة والدولة بذلك من خلال إعادة توزيع الثروة والبرامج الاجتماعية بالمناطق الداخلية. ومن حسن الحظ أنه لم تقع المصادقة على هذا المثال التوجيهي أو المديري للتهيئة نظرا للتبعات السياسية المنجرة عنه حيث تم تقسيم البلاد إلى قسمين: قسم صالح يضم المناطق الساحلية وقسم غير صالح يشمل كل المناطق الداخلية. في الواقع، نلاحظ أن جزءا هاما من توجهات هذا المثال التوجيهي تم فعلا اعتمادها بصفة غير مباشرة وهو ما سارت عليه دائما السلطة[2] مثل نظام شبكة الطرقات السيارة أو الأقطاب التكنووجية…    

         من ناحية ثانية، نجد أن إدارة التهيئة الترابية كانت في البداية تابعة للاقتصاد الوطني مع نهاية الستينات وبداية السبعينات في شكل مصلحة، ثم تم إلحاقها في ما بعد بالتجهيز والإسكان ثم بالتخطيط مع نهاية الثمانينات ومن جديد بالفلاحة ثم بالبيئة وأخيرا بالتجهيز والإسكان. هذا التردد وهذه الضبابية تعكسان في الواقع عدم وضوح الرؤيا على مستوى المهام والدور والانتماء للتهيئة الترابية.

ب – مركزية الاستثمار ودور الدولة 

         إن المتمعن في المعطيات يجد هناك علاقة متينة بين الاستثمار وجل المؤشرات الاقتصادية ومستوى المرافق الاجتماعية من جهة، بين مستوى الاستثمار والتشغيل من جهة ثانية، بين الاستثمار العمومي (الدولة) والاستثمار الخاص، وأخيرا بين حجم الاستثمار الجهوي بن فترة ما والفترة اللاحقة؟ هناك إذن حلقة عضوية تديرها الدولة وتعتبر المفتاح لكل عملية تنموية.

ج – تغييب الجانب السياسي: غياب الجماعات الترابية 

         لقد وقع تغييب البعد السياسي للجهة وذلك لبناء الدولة الحديثة التي قامت على تدمير كل السلط الأخرى وتغييبها والعمل على حذف أسماء المناطق والولايات التي ترمز إلى انتماءات ترابية جهوية مثل نفزاوة، الجريد أو الوطن القبلي والتي تواجدت في السنوات الأولى من الاستقلال. فأسماء الولايات ترتبط بمراكزها فقط (ولاية بنزرت، ولاية الكاف…). كان هذا في البداية له تبرير تمثل في القضاء على العروشية والقبلية لكن لا نجد له تفسيرا بعد عدة عقود خاصة عندما نعلم أن الحزب الحاكم استغل دوما الانتماء العروشي والقبلي والجهوي في جل المناسبات السياسية كالانتخابات؟

         في هذا الإطار، سعت السلطة المركزية إلى تعزيز وجودها في المناطق من خلال تنظيم مجالي عمودي لا مجال فيه لسلطة أخرى. فمجلس الولاية لم يحدث إلا سنة 1963 تحت إشراف الوالي الذي يعد ممثل رئيس الدولة في الولاية. في سنة 1989 تم إحداث المجالس الجهوية للتنمية التي تضم نواب الولاية ورؤساء البلديات وممثلي المصالح الجهوية وبالتالي كانت هذه المجالس تمثل لونا واحدا هي الدولة-الحزب الحاكم مع نسبة محدودة لأحزاب الموالاة في الفترة الأخيرة (قانون جويلية 2010 الذي مكن هذه المعارضة من التدرج من 7 إلى 22 بالمائة لكن الثورة لم تترك له مجالا للتنفيذ).

أما المجالس المحلية، فكانت تضم رؤساء البلديات مع العمد المعينين تحت رئاسة المعتمد في حين أن المجالس القروية تضم 5-6 أعضاء معينين تحت رئاسة العمدة.

         فلا وجود لتمثيل حقيقي للسكان، لا على مستوى المعتمدية أو الولاية. أما الجهة أو الإقليم فلا وجود له بالبلاد التونسية خلافا للعديد من البلدان الأخرى كالمغرب أو اسبانيا أو إيطاليا وفرنسا، وهو مستوى لا بد من خلقه ليكون مجالا مناسبا للتنمية الجهوية والتهيئة الترابية على المستوى الإقليمي. هذه المؤسسات لا بد أن يضمنها الدستور لتكون سلطة ممثلة للمتساكنين ولتشكل سلطة مضادة تعدل  بشكل أو بآخر من طغيان وزيغ السلطة المركزية إن وجدا بجانب الأحزاب والمجتمع المدني الذين يعدلان السلطة السياسية.

د – البعد الاجتماعي : التعديل، التأطير والاحتواء 

         في هذا الإطار، كان الطابع الاجتماعي والسياسي غالبا ما يميز جل البرامج التنموية لتعديل الدورة الاقتصادية والتخفيف من حدة الأزمات المحلية والجهوية وتقليص الفوارق ولو بصفة محدودة بين المدن والأرياف والحد من النزوح. فكان برنامج التنمية الريفية سنة 1973 لتثبيت السكان في الأرياف (CGDR 1984) وكان بعد ذلك برنامج التنمية الريفية المندمجة ثم الحضرية المندمجة وكذلك برامج التنمية الجهوية سنة 1987 التي ليس فيها من الجهوي سوى قاعدة التوزيع بين الولايات[3]. فجل البرامج تتسم بعدم الاندماج ولها طابع قطاعي وتحمل في طياتها معالجة تقنية لمسألة التنمية المحلية والجهوية التي أريد لها أن تكون عملية نثر مجالي (Saupoudrage) لبرامج قطاعية دون أي أدنى تنسيق في الزمان والمكان ومن حيث الارتباط التقني بين مختلف العمليات المبرمجة من طرف الوزارات كل على حدة، تجمع بين رياض الأطفال وجزء من مسلك فلاحي وقاعة علاج وحديقة أو ترميم المساكن المتداعية أو بعث مواطن شغل …

ه – محدودية المشروع والمجهود 

          لم  تسجل برامج اللامركزية (décentralisation)  إلا بعض الحالات المحدودة والمعدودة من المؤسسات التي حولت مقراتها الاجتماعية بمواطن الإنتاج مثل شركة فوسفاط قفصة أو ميبلاتكس أو المركب الكيميائي فالعاصمة بقيت مركز القرار السياسي والاقتصادي حيث تستقطب 60 بالمائة من المقرات الاجتماعية ولا تزال تستأثر بنسبة هامة من الشركات المحدثة.

كما أن سياسة تخفيف التركز أو اللاتركز (déconcentration) فقد استفادت منها المناطق البينية والوسطى التي توجد في الحزام الثالث أساسا في الوقت التي لم تستقطب فيه المناطق الطرفية والولايات الحدودية إلا نسبة محدودة جدا رغم كل الامتيازات الممنوحة منذ بعث صندوق اللامركزية الصناعية سنة 1977 (Foprodi) وقوانين 1981 و1987 ومجلة الاستثمارات سنة 1993 وكل النصوص اللاحقة لتحديد مناطق التنمية ذات الأولوية إلى حدود 2010.

أما برامج التنمية الجهوية (PRD) فهي لا تتجاوز إجمالا %11 بالمائة من الاستثمار العمومي و%5.2 من إجمالي الاستثمار. فهل بهذه النسب يمكن تسوية مسألة التنمية الجهوية والمحلية؟

3 – النتيجة : ثنائية الإقصاء والمطلبية والنضال 

         يمكن أن نتبين من خلال ما سبق أن هناك ثنائية مجالية على مستوى الإقصاء والمطلبية مما يجعل الملائمة بينهما عملية معقدة وتحدد مستقبل الثورة والبلاد.

أ – من جهة، نجد أن السواحل والمدن الكبيرة والمتوسطة (خاصة الصناعية والسياحية منها) تتمتع باقتصاد متنوع ومتطور وتمتلك شريحة اجتماعية متوسطة هامة وقع تهميشها على المستوى السياسي أساسا لكنها تتمتع بقة شرائية لا يستهان بها نسبيا ولكنها بدأت تتهرأ في السنوات الأخيرة. من هذا المنطلق، نجد أن المطلب الأساسي  لهذه الفئات يتمثل في المشاركة السياسية والديمقراطية والحرية وكذلك المطلبية المهنية التي لحظنا أنها تفاقمت بصفة ملحوظة بعد الثورة مباشرة سواء كانت موجهة أو عفوية وغير مؤطرة تماما.

ب – من جهة ثانية، نجد المناطق الداخلية والأرياف وبعض المناطق الفقيرة بالسواحل التي تعيش، بالإضافة إلى التهميش السياسي، تهميشا آخر أكثر ضراوة وأكبر وقعا يتمثل في الإقصاء الاجتماعي والاقتصادي بالأساس. من هذا المنطلق نجد أن المطلب الأساسي لهذه الفئات والمناطق يتمثل في التشغيل والتنمية والحد من الفساد.

هذه الثنائية الإقصائية أنتجت ثنائية مطلبية ونضالية تتمثل في النضال السياسي-الإيديولوجي من ناحية والنضال الاجتماعي-الاقتصادي من جهة أخرى. فمطلب الفئات الشعبية رافقه ولو بصفة متأخرة وأطره المطلب السياسي للشرائح المتوسطة والنخب التي تكون قد استحوذت  بقدر كبير على الثورة ومطالبها من خلال التأطير الإيديولوجي وإعطاء الأولوية للجانب الحزبي والإيديولوجي والانتخابي والقانوني على حساب البعد الاقتصادي والتنموي والاجتماعي.

هذه الثنائية نجدها كذلك في مسار الثورة حيث نرى أن قافلة الكرامة التي انطلقت من الدواخل ردت عليها قوافل التضامن والاعتراف من السواحل وأساسا العاصمة. وأن اعتصامات القصبة مثلت المراحل الفارقة في مسار الثورة وساهمت في تجذيرها رغم تردد النخب والمجتمع السياسي إزاءها وحتى رفضها في البداية من جهة أخرى مع الالتفاف عليها في ما بعد. فنلاحظ إلى حد اليوم أن الجانب السياسي لا يزال طاغيا على الساحة على مستوى النقاشات في الصحف ووسائل الإعلام والأحزاب والهيئة العليا بالأمس والمجلس التأسيسي اليوم نظرا لما تتطلبه المرحلة الراهنة ولضغط الزمن المرتبط بالانتخابات وبالمواعيد الانتخابية (24 جويلية 2011 ثم 23 أكتوبر 2011  أو حاليا من خلال تحديد موعد الانتخابات القادمة) في الوقت الذي نجد فيه البعد التنموي والاقتصادي مغيبا تماما. هذا الوضع ينذر بالخطر نظرا لأهمية البعد الجهوي والترابي في صيرورة الثورة والذي كان قداحة الثورة التي انطلقت من أكثر المناطق فقرا وأقلها نموا على الإطلاق، على كل المستويات.

4 – تونس في مفترق الطرق 

        لقد بينت العديد من الدراسات في العالم أن التنمية الجهوية والهيكلة الترابية تكاد تكون مستحيلة عندما تكون المؤشرات الاقتصادية والحضرية ضعيفة أو مرتفعة وذلك لمحدودية الموارد في الحالة الأولى وصعوبة المسألة في الحالة الثانية. فالحالة الوسطى تمثل المرحلة المواتية للعمل الجهوي وتغيير البنى التحتية والترابية.

فالبلاد التونسية توجد منذ نهاية الثمانينات في هذه المرحلة الوسطى التي تمثل مرحلة حرجة وفارقة بالنسبة إلى التنمية الجهوية والتهيئة الترابية حيث تتميز:
-                بمستوى دخل متوسط
-                نسبة تحضر مرتفعة تجاوزت 50 بالمائة منذ 1975 وتفوق اليوم ثلثي السكان
-                نسبة تشغيل صناعي متوسطة تتراوح بين 15 و20 بالمائة
-                نسبة تمدرس مرتفعة

         كما تجدر الإشارة إلى أن التنمية الجهوية تخدم المصلحة الوطنية بصفة غير مباشرة فوجود بنية ترابية متوازنة يضمن تجنب المخاطر الداخلية والخارجية ويمكن من التأقلم مع جل الظروف الاقتصادية ويضمن التنمية المستدامة التي لا تتوفر إلا بتوفر بنية مجالية مستدامة، تفتح باب المستقبل على مصراعيه ولا تستجيب فقط لمقتضيات الظرف الراهن والمدى القصير.

II – التنمية الترابية ومقوماتها

         لقد طرحت الثورة وبصفة جدية المسألة المجالية أكثر من أي وقت مضى في تاريخ البلاد فقد بينت أن أي بناء مستقبلي لا يمكن أن يمر إلا من خلال التنمية الترابية.

1 – التنمية الترابية

         تعتمد التنمية عموما أو التنمية الترابية على أربع ركائز أساسية : النمو والتقدم والاستقلالية والاستدامة في انطلاق العملية ومسارها وصيرورتها. تتمثل التنمية الترابية عامة، والجهوية أو المحلية خصوصا، في تطور الثروة وتركيمها من خلال ارتفاع الأجور والمداخيل للأفراد والمؤسسات وتطور الإنتاج المادي واللامادي للمجتمع وهو ما يتمثل في النمو الاقتصادي. هذا النمو يمكن أن يفضي، في مرحلة لاحقة، إلى تحول نوعي هيكلي للتركيبة الاجتماعية والذهنية والسلوكية وإلى تطور المرافق والتجهيزات الاجتماعية والاقتصادية وتتمثل هذه المرحلة في التقدم (Progrès) والحداثة (Modernité). فالتدرج من النمو  إلى التحول الهيكلي ليس آليا والنمو لا يفضي دائما إلى التنمية.

هذه العملية التنموية تتطلب الاعتماد على الذات أساسا ولو بنسبة محدودة مما يتطلب توفر مقومات الاستقلالية كالسلطة والمؤسسات والتمويل مما يضمن الاستدامة التي تمثل شرطا أساسيا من شروط التنمية والتي تجعلنا اليوم نتحدث أكثر من قبل عن التنمية المستدامة.

فالتنمية الترابية عامة، سواء كانت وطنية أو جهوية أو محلية، تتطلب وجود جماعة ترابية ممثلة للسكان تسهر على شؤونهم وتمكنهم من المساهمة الفعلية في تصور واقعهم وتحديد مستقبلهم بصفة تشاركية في إطار المواطنة والإنصاف والديمقراطية، مما يجعل منهم مواطنين بأتم معنى الكلمة، يساهمون في الشأن العام مما يضمن تملك المجال وتنظيمه والمحافظة عليه راهنا ولمستقبل الأجيال بحيث يصبح المجال ركيزة من ركائز التنمية التي لا تستقيم دون توفر السلطة الترابية التي تمثل المجموعة.

2 – الجماعة الترابية 

         هي جماعة ممثلة لسكان منطقة محددة، تدير شؤونها وتتمتع باستقلالية نسبية وبموارد مالية تمكنها من تصريف أعمالها والتدخل في كل الجوانب التي تهم المجموعة باستثناء كل ما له تبعات على المجموعة الوطنية أو على مناطق وأقاليم أخرى. ويمكن أن نتبين، في هذا الإطار، عدة مستويات ترابية تتدرج من  المدينة أو البلدية إلى المعتمدية والولاية والجهة أو الإقليم.

وتجدر الإشارة إلى أن المستوى الإقليمي غير موجود بالبلاد التونسية في الوقت الذي نجده في جل البلدان الديمقراطية (فرنسا، أسبانيا، إيطاليا…) بالإضافة إلى البلدان الفيدرالية (الولايات المتحدة، ألمانيا، البرازيل، الهند…) التي نجد بها غالبا  3 أو 4 مستويات ترابية تسيرها هيئات منتخبة تتمتع بصلاحيات واسعة وبإمكانيات مادية ومالية تتماشى مع المهام المناطة بعهدتها ومع الأهداف المحددة لها.

3 – أهداف التنمية الترابية 

         تتلخص أهداف التنمية الترابية في عدة أهداف نذكر البعض منها فقط : التوازن المجالي، المواطنة، الديمقراطية والحوكمة.

         أ – التوازن المجالي : يتمثل في العمل على إيجاد بنية ترابية متوازنة قابلة للتأقلم مع جل الظروف الخارجية والداخلية. هذه البنية الترابية المتوازنة تتمثل في توزيع معتدل للسكان والمدن والأنشطة الاقتصادية والتجهيزات الأساسية بشكل يضمن تنمية كل أرجاء القطر بشكل متكافئ ومعتدل  وتضامني في كل الظروف الاقتصادية والسياسية الدولية والجهوية (فترات النمو والانسجام والتقارب أو فترات التأزم والنفور والتباعد). فالتنمية المجالية المتوازنة تمثل هدفا في حد ذاتها حتى على المستوى الوطني وتخدم المصلحة العليا للوطن بدرجة أولى وبغض الطرف عن مصلحة كل جهة على حدة. فالمناطق الحدودية يجب أن تحظى بعناية خاصة لدعم المدن والتجهيزات وربط مختلف المناطق ببعضها بغض الطرف عن إمكانية فتح الحدود على البلدان الشقيقة من دونها أو قيام السوق المغاربية من عدمها. فالهاجس الأمني الذي كان قائما والذي يفسر نوعا ما التهميش الحاصل من الجانبين يجب أن ينقلب إلى هاجس أمني من نوع جديد، يتمثل في هاجس تحقيق التنمية بهذه المناطق لتكون صمام الأمان وتصبح في المجالات الحدودية عنصر ربط وتواصل وليس عنصر قطيعة ونفور.

         ب – المواطنة : تتمثل المواطنة في جانب كبير منها في الإنصاف بين الأفراد والمناطق والحد من الفوارق من خلال خارطة للطريق واضحة بشكل يضمن التنمية التضامنية. فالمواطنة تعني الانتماء إلى نفس الوطن وتفرض المساواة في التعامل بين كل المناطق وتمكينها من نفس الحظوظ.  فبالاضافة إلى الحقوق الأساسية التقليدية كالغذاء والصحة والتعليم والتنقل نجد أن دائرة الحقوق لا تنفك تتوسع لتضم حقوق إضافية تتمثل في الحق في التنمية والمساهمة في الشأن العام والمشاركة في كل ما يهم المجموعة. فالمساواة بين الأفراد تفرض وجوبا المساواة بين المناطق وهو ما يفرض تمشيا توافقيا يقبله الجميع من خلال التشاركية والحوار.

         ج – التضامن الترابي بين مختلف الجهات : ينبع التضامن الترابي من منطق المواطنة ويرتكز على الانتماء إلى نفس الوطن ومن هذا المنطلق على نفس الحق والواجب وليس من باب الشفقةأو الهبة، مما يتطلب القيام بإصلاح جبائي شامل يضمن للمنطقة التي تخلق الثروة من الحفاظ على جزء منها تحفيزها على الإنتاج ويمكن السلطة المركزية من نسبة محددة من الثروة تمكنها من الاضطلاع بمهامها ويسمح كذلك للمناطق الفقيرة الأخرى من الحصول على نصيبها من الثروة الوطنية بإسم التضامن الوطني. بهذا الشكل، نجد كذلك أن جزأ من الموارد المتأتية من الجباية المحلية يمكن من تمويل الجماعات الترابية من مستوى أعلى كالولاية أو الإقليم. هذا التضامن الترابي يتماشى نسبيا مع جل الأنماط التنموية المتبعة على المستوى الوطني سواء منها الليبرالية أو الاشتراكية ويمكن أن يندرج في إطار العولمة بمختلف أشكالها. ففي العديد من البلدان، كفرنسا مثلا، تحدد ميزانية كل بلدية وإقليم طبقا لعدد محدد من المقاييس مثل حجم السكان ونسبة التجهيز ومستوى الثروة المحلية…

         د – الديمقراطية : ترتكز الديمقراطية على تمثيل المناطق والجهات والأحزاب والمنظمات المهنية والاجتماعية. بالاضافة إلى ذلك، فإن الديمقراطية تبنى من الأسفل وصولا إلى أعلى الهرم، وجل الأنظمة الديمقراطية ترتكز على 3 أو 4 مستويات ممثلة ومنتخبة وتتقاسم الأدوار في العملية التنموية. فالسلطة المحلية أو الترابية (بلدية، ولائية، إقليمية) تمثل السكان وتمكن الفرد من أن يكون مواطنا بأتم معنى الكلمة وذلك عبر التشاركية الفعلية في كل جوانب الحياة الاجتماعية في مختلف المستويات الترابية مما يجعل منها سلطة مضادة للسلط الترابية الأخرى (المركزية، الجهوية، المحلية…) وتمكن من تعديلها والحد من تغولها إن لزم الأمر.

         ه – الحوكمة (أو الحكم الرشيد) : تتمثل في المشاركة الفعلية في الشأن المحلي والجهوي والتصور والاختيارات، مما يتطلب تشريك كل الفاعلين في المنطقة في عملية وفاقية تضمن اندراج كل الأطراف في العملية التنموية تبعا للمقولة « كل ما ينجز لفائدتي دون مشاركتي فهو ضدي » (Tout ce qui est fait pour moi sans moi est contre moi). فالدولة تتواجد من خلال من يمثلها كالوالي أو المعتمد الذين يسهران على التنسيق، لكن المسير الفعلي يجب أن يكون منتخبا وممثلا للسكان في شكل مجالس جهوية ومحلية منتخبة  تتولى وضع الخطط وتحدد البرامج وتتخذ القرارات، من جهة ثالثة نجد المجالس التقنية  التي تضم المصالح الفنية الجهوية والمحلية وتتولى الاستشارة والدراسات. هذه الثلاثية متلازمة للوصول إلى الحوكمة الترابية.

         فالمواطنة تقتضي اليوم التشاركية الفاعلة في مختلف المستويات الترابية في نفس الوقت بما يعني ذلك استبطان الانتماء إلى عدة ترابيات في نفس الوقت وما يتطلبه ذلك من المساهمة الفعلية في نحت ملامح الغد عبر الحوكمة و الحوكمة الترابية (géogouvernance) عبر المساهمة الفعلية في نحت ملامح الغد واعداد بوابات تفاعلية تمكن المواطن من التدخل في أي وقت لإبداء رأيه وتغيير القرارات وتمكن كذلك المسؤولين من الإطلاع على رغبات وتطلعات المواطن لتعديل البرامج والاختيارات في الحين وفي الوقت المناسب.

         هذه الحوكمة تتطلب تحديد الفاعلين المحليين والجهويين وتحفيزهم وجعلهم يندرجون في العملية التنموية وذلك من خلال اضطلاعهم بدور إيجابي وتجذيرهم ترابيا في الجهة أو المنطقة من خلال بعث بنوك جهوية وشركات جهوية ومحلية للتنمية بدعم من الدولة من شأنها أن تؤسس لاقتصاد محلي وجهوي يمكن من توظيف الموارد واستغلال كل الإمكانات والكفاءات المتوفرة للتنمية مما من شأنه أن يخلق دينامية محلية تساهم في شد السكان وحث الإطارات المهاجرة على الرجوع إلى مواطنها الأصلية إذا ما تحسنت أطر العيش وتوفرت المهن الملائمة وجعل هذه المناطق مواضع جذب لسكان المناطق الأخرى مما يغير كليا من صورة المناطق الفقيرة والمهمشة حاليا.

في النهاية، لا بد من الإشارة إلى حتمية عكس العملية التنموية. فالمجال أو التراب أصبح يمثل عامل إنتاج في حد ذاته بالإضافة إلى العوامل التقليدية في علم الاقتصاد (رأس المال، العمل، الأرض). وهذا بجرنا إلى إن ننظر إلى الإمكانات المحلية والجهوية وكيفية استغلالها قبل أن ننظر إلى المعوقات التي تحول دون عملية التنمية. فجل المناطق لها خصوصياتها ولها من المميزات ما يجعل منها مناطق جذب كلما غيرنا في التمشي والعقلية التقليدية التي تركز دائما على السلبيات. فالسؤال الذي يجب أن يطرح هو التالي: ما هي إمكانات المنطقة، ما هي خصوصياتها، كيف يمكن استغلالها وتوظيفها؟ عوض عن معوقات التنمية وحدودها.

4 – مقومات التنمية الترابية 

         تقوم التنمية الترابية على عدة أسس سنقتصر على البعض منها كالجانب المؤسساتي والمالي والجبائي.

أ – خلق الجهة أو الإقليم : يجمع الإقليم عدة ولايات بحيث يمثل حجما مناسبا لتكوين سوق اقتصادية ويشمل عدة أنشطة متنوعة تضمن التكامل والتنافسية في نفس الوقت. هذا الإقليم يتكون حول عاصمة إقليمية تؤطر الجهة وتوفر كل الخدمات الجهوية عبر شبكة حضرية متراتبة تضم عدة مستويات من المراكز الحضرية. هذه الأقاليم تقطع مع التقسيم الترابي التقليدي للقطر وتضم مناطق ساحلية وداخلية في نفس الوقت لتكوين أقاليم مندمجة على المدى المتوسط (10-15 سنة) والبعيد (20-25 سنة) وتتميز بإشكالية تنموية مميزة ومتكاملة ومندمجة.

         خلافا للتنمية المحلية التي يمكن ويستحسن أن تقوم على التخصص وأن تقتصر على أحادية النشاط  نظرا لصغر الحجم ومقتضيات الفاعلية والتخصص فإن التنمية الإقليمية لا تقوم إلا على التنوع الاقتصادي مما يضمن التكامل والتكافل والتنافس والنجاعة في نفس الوقت.

ب – توفر مؤسسات ووسائل التنمية الجهوية : تتمثل في خلق المؤسسات الدستورية للسلطة الجهوية والإقليمية في شكل مجالس منتخبة تسير شؤون المنطقة بالاستعانة بالجالس التقنية. هذه المجالس تشمل البلدية والمعتمدية والولاية والجهة.

كما تتمثل الوسائل في بعث صندوق للتنمية الجهوية وصندوق آخر للتنمية المحلية داخل الأقاليم تكون في مرحلة أولى بمبادرة من الدولة وبمساهمة من البنوك مع اندراج القطاع الخاص والمواطن العادي لاحقا وبصفة تدرجية في شكل مساهمة في رأس مال هذه المؤسسات لتحفيز الاستثمار الجهوي والمحلي والتجذير الترابي للفرد والجماعات وخلق علاقة جديدة بين المواطن ومجاله.

ج – بعث بنوك جهوية وشركات جهوية للتنمية بتشريك رأس المال الجهوي والمحلي والبنوك الوطنية العمومية والخاصة، خاصة وأن الثروات متوفرة في جل المناطق ولو بنسب متفاوتة ولا تتطلب سوى التحفيز وخلق المناخ الملائم. فالبنوك الوطنية لا تهتم بالجهة إلا إذا استوفت كل شروط المردودية الكلاسيكية وتقوم بموازنة بين مختلف المناطق وتتولي في النهاية تبني تمويل المشاريع الأكثر مربوحية وبهذا التمشي يقع تغييب الجانب الجهوي والمحلي لفائدة البعد الوطني. أما إذا كان رأس المال محليا أو إقليميا (أفراد، كبار الفلاحين والتجار، أرباب المهن، شركات تنموية وبنك جهوي…) بالإضافة إلى الدولة، فإنه سيتوجه كليا إلى الاستثمار المحلي والجهوي.

ه – العمل على اللامركزية الإدارية والاقتصادية بشكل فعلي مع تقييم كل السياسية التي وقع إتباعها إلى حد اليوم، بالإضافة إلى ذلك يجب العمل على دعم التخفيف من التركز و تدعيم اللاتركز وتفعيل الآليات التي من شأنها أن تشجع التوطن في المناطق الداخلية وتخلق دينامية اقتصادية فعلية تؤدي إلى تعديل الكفة نسبيا لفائدة المناطق الطرفية والحدودية والمناطق غر المحظوظة.

و – إصلاح شامل للنظام الجبائي من شأنه أن يجعل المناطق المحضوضة تساهم في تنمية المناطق المحرومة والفقيرة بشكل يمكن من تمويل التنمية الجهوية والمحلية. في هذا الإطار، يجب تقاسم الثروة بشكل يمكن كل السلط الترابية من قسط من التمويل الذاتي يجعلها تتمتع بحد أدنى من الاستقلالية مع سن التضامن المواطني ويجعل منه حقا للمناطق الفقيرة وواجبا على المناطق الغنية خلافا للطرح الأخلاقي الذي كان ولا يزال سائدا.

ز – إعداد مثال جديد للتهيئة الترابية يضبط التوجهات الأساسية بعد الثورة ويخدم الأهداف التي قامت من أجلها كالتوازن الترابي والإقليمي وإعادة هيكلة النظم الحضرية الجهوية وتعديل النظام الحضري الوطني بشكل يضمن التوزيع المتكافئ للثروات والأنشطة والسكان والتجهيزات ويمكن البلاد من بنية ترابية ومجالية متوازنة تؤسس لتنمية مستدامة وقادرة على التلاؤم مع جل الظروف. هذا المثال يحدد ملامح تونس الغد ويؤسس لمجال متوازن متضامن يطيب فيه العيش أينما كنا، يعدل من تضخم العاصمة دون المس من جاذبيتها الدولية ويدعم المدن المتوسطة والبينية التي تعتبر الحلقة الأضعف من المنظومة الحضرية الوطنية (Belhedi A 1992, 2004).

ح – فك الانحباس الترابي للجهات والمناطق وربطها ببعضها البعض من خلال بعث اقتصاديات جهوية متنوعة ومرتبطة عبر شبكات إنتاجية (Filières) ومنظومات إنتاجية محلية (Systèmes productifs localisés) وكذلك من خلال شبكات نقلية مترابطة اعتمادا على مقتصدات القرب (économies de proximité) والترابط (économies de connexité) مما يخلق اقتصاديات إقليمية قائمة الذات ومتكاملة تعتمد على الإمكانات المحلية والجهوية. هذا الترابط الجهوي يجعل المناطق الداخلية خاصة تنمو بصفة مستقلة عن العاصمة ويعوض سلبيات الموقع  الطرفي أو الحدودي.

 

         في النهاية، يمكن أن نركز على ضرورة طرح المسألة الترابية والمجالية على النقاش العام خلال الفترة الانتقالية لكي يتسنى لكل الأطياف والأطراف أن تدلي بدلوها في المسألة ويقع حسمها بمساهمة الجميع والتوصل إلى حل يرضي الأغلبية من المجتمع التونسي.

فالمسألة المجالية لا تتمثل في القضاء كليا على الفوارق الجهوية وبين المناطق والأوساط وهي عملية خيالية وغير ناجعة تماما على المستوى الاقتصادي في نفس الوقت بقدر ما تتمثل في تحديد مستوى التفاوت المقبول من الجميع الذي يضمن في نفس الوقت استمرارية نمو المناطق الدينامية ويأخذ بيد المناطق الفقيرة دون الوقوع في الشعور بالضيم أو وضع حد لدينامية النمو. هذا التمشي يتطلب مساهمة جميع الأطراف في النقاش العام والوصول إلى وفاق يضمن المستقبل يضمن في الدستور ليكون ملزما للجميع على المدى الطويل ويجنب البلاد هزة أخرى تكون عواقبها وخيمة.

 

المراجع

Belhedi A – 1992 : L’organisation de l’espace en Tunisie. FSHS, Tunis
Belhedi A – 2004 : Le système urbain tunisien. Cybergeo 258, http://cybergeo.revues.org/3877
Belhedi A – 2007 : Le rayonnement spatial des villes tunisiennes à travers la diffusion des entreprises multi-établissements pour l’innovation. Cybergeo, 372, http://cybergeo/revues.org/5607
COGEDRAT – 1984 : Evaluation du Programme de Développement Rural (PDR) 1973-1982.
COGEDRAT – 1986 : Plan régional de Développement. Nord-ouest, Sud, Centre-Ouest.
INS : Recensement Général de la population et de l’habitat depuis 1956
INS : Enquête de dépenses des ménages depuis 1967
MDE – 1996: Migration intérieure et développement régional. Etude stratégique. Etude pilotée par A Belhedi 1995-1996. 351p. INS. Tunis.

                                                                                              تونس، 19 نوفمبر 2013


[1]  -  لقد ساهمنا شخصيا في اعداد هذه الامثلة في مايخص التهييئة الترابية
[2] – لقد سعت السلط إلى تفعيل عدة توصيات من الدراسة « المدن والأرياف » سنة 1973 دون أن تكون لهل أية صبغة رسمية، نفس الشيء بالنسبة لسنة 1985 مثل القطب الجامعي لجندوبة. هذا التمشي يترك للسلطة هامشا هاما في تنفيذ او في التخلي عن بعض المشاريع أو التوصيات والقرارات.
- [3] هذا البرنامج بعث ليضم كل البرامج التي لها قاعدة جهوية في توزيع الاعتمادات كالتنمية الريفية المندمجة والحضرية المندمجة والحضائر… 

Publié dans Communication, Publication | Pas de Commentaire »

Le mouvement moderniste tunisien et la question spatiale

Posté par amorbelhedi le 22 janvier 2010

                                                    Le mouvement moderniste tunisien et la question spatiale 

Amor Belhedi 
Faculté des Sciences Humaines & Sociales

Le mouvement moderniste tunisien et la dimension spatiale. Amor BELHEDI, Journée du 22 janvier 2010, Tunis, Diplomat, ACMACO, PRMT /Tunisie 2040
Communication faite au Club Bochra El-Khaier – Alain Savary  05 février 2010
Communication à l’atelier sur le Développement durable, ACMACO, 30 mai 2011, Hôtel Ariha, Tunis
 Texte remanié et publié dans Tunisie 2040, ACMACO-CEMAREF, 2012

Parler de la dimension spatiale et du mouvementrema moderniste tunisien peut paraître prétentieux et problématique à la fois. On pourrait se demander quel est le lien entre ces deux pôles représentés par l’espace et le modernisme ?

Il s’agit, pour nous, plutôt d’une analyse a posteriori à la lumière des différentes expériences que la Tunisie a connues depuis l’indépendance. Mener une analyse a posteriori ne court-elle pas le risque de réduire le mouvement moderniste tunisien à la société politique seulement ?

Au préalable, il convient de faire deux remarques relatives à l’espace en général et au mouvement moderniste tunisien, avant de voir de quelle manière se pose la question spatiale en Tunisie. 

1- L’espace : comme rapport socio-politique 

L’espace n’est pas un simple support matériel neutre, il constitue toujours un rapport socio-politique qui assure la reproduction des rapports sociaux à travers sa matérialité, sa durabilité et de là, l’inertie qu’il présente aussi au changement. Une route ou un barrage, un port ou un aéroport sont construits souvent pour des décennies, voir plus. Dans l’histoire, on n’a jamais vu de destructions à part celles des guerres, si bien ce qu’on construit c’est pour toujours même si parfois on est amené à corriger ou à rectifier les erreurs. Même les pays les plus riches n’ont pas les moyens de détruire ce qui a été construit à un moment donné tellement le coût est très élevé. 

L’espace exprime l’image de la société et à chaque société correspond un espace qui reflète les rapports de production et exprime les rapports sociaux. 

2- Le mouvement moderniste et la priorité à l’ordre national 

Le mouvement moderniste en Tunisie, a pris la relève du mouvement réformiste, il se situe au niveau global et consiste à construire une nation, d’où la priorité absolue donnée au niveau national, ce qu’on peut considérer comme légitime pour toute construction nationale lors de la première étape  d’une ou deux décennies; mais ce qui n’est pas acceptable c’est qu’on continue, la mondialisation aide à consacrer cette orientation, à prôner la même chose un demi siècle après.

C’est une construction nationale dans un cadre colonial, d’où toute la spécificité de ce mouvement par rapport aux autres mouvements modernistes nés dans des contextes différents en Europe, au Japon ou en Turquie… 

La modernité correspond à plusieurs fondements dont on peut citer l’individu, la citoyenneté, la démocratie, l’équité, la rationalité de gérer le territoire national, l’identité qui débouche sur l’Etat-nation et le nationalisme. Mais peut-on se limiter de nos jours à une seule territorialité, celle de l’Etat-nation ? N’est-elle pas une territorialité parmi d’autres en fait et à ce titre, la modernité consisterait aussi à favoriser l’émergence d’autres territorialités d’ordre infrarégional et local avec tout le risque de conflit ? 

L’absence de réflexion et de textes fondateurs sur la dimension spatiale constitue un handicap, une carence du mouvement moderniste par la suite lorsque la question régionale ou locale va se poser avec acuité, une fois passée l’euphorie des premières années de l’indépendance. Cette carence va donner lieu à des hésitations et des ambiguïtés. Seul le syndicat avait un programme à dimension spatiale, présenté lors de son congrès de 1956. Il a été repris par la suite par les Perspectives décennales 1962-1971 et appliqué en partie, par A Ben Salah, ancien S.G. de l’UGTT, dans les années 1960. L’absence de réflexion de la part de l’élite tunisienne sur la question, nous oblige à nous limiter à une analyse a posteriori à partir des expériences menées depuis cinq décennies et à la pratique de la société politique, le pouvoir central, mais est ce que le mouvement moderniste se limiterait à cette société ? 

3- Deux logiques : la concentration et le saupoudrage 

La construction nationale passe par la mise en place de grands projets régis par la concentration et la rentabilité et la redistribution qui débouche sur le saupoudrage. La primauté de l’ordre national va reléguer la question régionale au second plan. 

a- La primauté de l’ordre national 

Le nouveau pouvoir national s’est construit aux dépens des formes traditionnelles (tribu, communauté…) dont l’ère est jugée comme révolue avec l’indépendance. A l’instar du voile, «le sefsari », l’ordre spatial infranational, d’une forme de résistance à l’oppresseur, de créateur d’identité « tunisienne » naissante sous le joug colonial, il devient avec l’indépendance une contrainte, voire un contre-pouvoir qu’il convient de combattre même. 

Cette primauté à l’ordre national a pour corollaire la concentration exigée par l’impératif de croissance d’abord et de développement par la suite, le slogan mobilisateur « le rattrapage des pays avancés » (اللحاق بركب الأمم المتقدمة) est très révélateur. N’est-il pas appelé  par le premier Président de la République « El-Jihad al Akbar » (الجهاد الأكبر). 

La dimension économique se trouve ainsi privilégiée au nom de l’efficience et de la rentabilité, ce qui est légitime à ce stade, elle va donner lieu à une tendance à la concentration dans les espaces qui garantissent le mieux cet objectif. L’espace devient lui-même un facteur d’accumulation et de développement.

Dans ce cadre, les espaces les mieux placés sont les mieux nantis, soit au départ par la nature ou l’histoire, soit au niveau de chaque étape par les investissements opérés durant la période antérieure. On trouve les zones littorales notamment orientales et les grandes villes, la capitale en constitue l’ultime synthèse en ajoutant encore les économies externes et d’échelle nécessaires.

Ces espaces vont concentrer les grands projets aussi bien d’infrastructure (ports, aéroports, routes, autoroutes) que de production (irrigation, industrie, tourisme, technopôles…).  

b- Le niveau infrarégional relégué au niveau secondaire 

 La primauté accordée à la construction nationale relègue les échelons inférieurs à un rôle secondaire, ils ne vont être reconnus que timidement et tardivement dans les limites que permet le pouvoir central. Dans cette logique, deux impératifs vont guider l’intervention de l’Etat :

- La mise en valeur des ressources : La mise en valeur des ressources locales a constitué dès le début un souci majeur du pouvoir central : cellules et offices de mise en valeur des années 1950-60 (Souassi, Sidi Bouzid, Mejerda…), Offices des Périmètres Irrigués des années 1970, Offices de développement du Centre, du Sud et du NO dans les années 1970-80 (ODS, ODCO, ODSPNO), sont autant d’actions qui s’appuient sur la modernisation agricole et permettant d’améliorer les conditions de vie. 

- Le maintien sur place des populations : Le maintien des populations a été toujours le souci majeur  à travers des actions qui changent de forme, d’envergure et de gestion : les chantiers de travail (ou de lutte contre le chômage dès la fin des années 1950), la collectivisation forcée, le Programme de Développement Rural dès 1973, le PDRI, le PDUI jusqu’aux Programmes Régionaux dès 1986 ou le PNS dès 1989…

Le premier souci de l’Etat indépendant a été de fixer les nomades et les semi nomades notamment au Sud, d’où l’effort de sédentarisation dans la promotion des petites villes à tel point que le recensement de 1966 ne relève pas de nomades dans les chiffres officiels ? Dans une étape ultérieure, on s’est efforcé de fixer la population rurale et limiter l’exode qui s’est généralisé durant la seconde moitié des années 1960 parallèlement à la collectivisation forcée, au point qu’on a été amené de forcer les populations au retour à la fin des années 1960. 

Ce double impératif de mise en valeur ponctuelle et de rétention expliquent le caractère socio-politique et le saupoudrage des actions entreprises : 

* La dimension socio-politique de la plupart des programmes est manifeste même dans ceux qui portent le qualificatif développement dans un souci de solidarité nationale à travers le processus de redistribution et avec un impératif de régulation ce qui a conduit au saupoudrage. 

* Le saupoudrage : Le mouvement de libération a suscité beaucoup d’espoirs à travers « l’explosion des besoins » dont parlait A Ben Salah ce qui exige l’intervention de l’Etat à travers les équipements socio-collectifs et les petits projets qui relèvent plutôt de la mise en valeur. Fautes de moyens suffisants, il en découle le saupoudrage pour assurer la régulation ou le dénouement des tensions en particulier dans les espaces qui ne répondent pas aux critères de la rentabilité, qui ne disposent pas de ressources.  

4- Les réalisations et les limites 

4.1- La mise en place d’une administration territoriale moderne 

L’une des mesures entreprises au lendemain de l’indépendance a été la mise en place d’une administration territoriale moderne à trois niveaux (gouvernorat, délégation, secteur) et un affinage progressif du pavage spatial qui remplace l’ancien découpage administratif qui était dual : traditionnel (en Khalifa et Guiada) et colonial (contrôles civils). Le découpage a souvent rompu avec le marquage tribal. Le pouvoir traditionnel a été combattu pour asseoir le nouveau pouvoir de l’Etat-Nation à travers le tracé mais aussi à travers le nom des unités territoriales. La modernité ne passe-t-elle pas par l’individualisation ? 

Le découpage administratif est passé de 13, 86 et 743 en 1956 à 24, 264 et 2073 actuellement, respectivement pour les trois niveaux administratifs (gouvernorat, délégation et secteur). Cette organisation va constituer la base de l’équipement socio-collectif de base et a permis la diffusion des services un peu partout dans l’ensemble du territoire : santé, éducation, culture, jeunesse. 

On a institué le Conseil de gouvernorat (1963), puis le Conseil Régional, et Local de Développement (1989), enfin les Conseils ruraux (1994) qui sont composés par les représentants des services régionaux ou locaux mais aussi les élus (régionaux et locaux).

Le nombre de communes est passé de 75 en 1956 à 262 en 2004. La loi organique des communes de 1975 donne à la Commune de larges prérogatives en matière de gestion, de voire, d’équipement et d’aménagement. 

Face au désengagement de l’Etat et la mondialisation montante, le local fit son apparition, il fut encouragé même à travers le développement du tissu associatif, la mise en place des Associations d’Intérêt Collectif (AIC), des Groupements de Développement Agricole (GDA) plus récemment, la création des Sociétés de Développement Local (SDL) au niveau de chaque délégation, la création des Conseils Locaux de Développement et des Conseils Ruraux en 1989. 

Mais ces efforts trouvent leur limite dans les points suivants :

• Le tracé des unités administratives a été souvent modifié pour rompre avec le marquage territorial tribal au même titre que le nom parfois. Une collectivité n’existe qu’à travers le pouvoir dont elle dispose. Dans tous les cas, les unités (gouvernorat, délégation) portent le nom du chef-lieu et là on peut y lire la négation de l’existence même de la collectivité territoriale. Une seule territorialité est permise, celle de l’administration selon un schéma de rattachement vertical.

Le Cheikh, choisi parmi trois proposés par la collectivité a été remplacé par le Omda, nommé dès 1969 ? Le gouverneur est le représentant personnel du Président, il gère plus 90% du territoire en l’absence d’une communalisation comme est le cas au Maroc par exemple sans aller à la rive Nord. 

• Les conseils régionaux ou locaux de développement constituent une réplique du système politique : ils sont composés les représentants des services régionaux et locaux et les élus à l’échelon régional et local et présidés par le gouverneur (il est le représentant du Président de la République) et le délégué. Les conseils locaux sont formés par les omdas (chefs de secteurs) et les présidents qui sont nommés.

On peut y voir la volonté d’un encadrement plus serré, des territoires et des populations, en l’absence d’une représentation réelle des populations concernées, des collectivités territoriales et de contre-pouvoirs, en sauvant la forme tout en gardant l’essentiel du pouvoir pour bien tenir une population devenue de plus en plus revendicative. 

• Plusieurs tâches ont été soustraites aux communes et données aux Offices et aux sociétés nationales (Sonede, Steg, Onas…). En outre, la majeure partie du territoire n’est pas communalisée (>95%) et se trouve administrée directement par le gouverneur à travers le Délégué et le Omda. 

• L’émergence du local n’est qu’un subterfuge pour pallier au désengagement de l’Etat et à la carence de la société civile locale. Les AIC et les GDA se trouvent encadrés par le parti au pouvoir et l’administration locale tout en sauvant la forme à l’instar du rapport global qui lie la société politique à la société civile. 

4.2- Réduction générale des écarts interrégionaux 

La diffusion des services socio-collectifs et des infrastructures de base au point qu’on peut dire sans équivoque que les écarts, entre les régions    d’un côté, la campagne et la ville de l’autre, ont beaucoup reculé quelque soit l’indicateur utilisé (indicateurs élémentaires, coefficient de variation, indicateurs synthétique) à la suite de nombreux programmes de développement (PDR, PDRI, PRD) du FSN (26-26) ou des Programme de l’emploi (Fonapra, Sivp, PEJ 21-21…), la diffusion de l’appareil productif industriel en particulier, la libéralisation des transports. 

Dans la zone frontalière, l’Etat est intervenu depuis le début des années 1970 à travers le Programme Frontalier du PDR entre 1974-1986 (1Md D/an/gouvernorat) et la mise en place de certains projets : Station de Tabarka, ciment blanc, chaux…, durant les années 1980. 

Le développement régional a été formulé clairement avec le VI° Plan qui lui consacra un chapitre, de nombreux projets virent le jour. Un Commissariat Général au Développement Régional (CGDR) a été créé, il a établi la carte des priorités régionales et a élaboré la première génération des PDRI. Il y a eu même l’intégration du développement régional et de l’Aménagement du territoire avec le COGEDRAT. La dimension régionale est introduite comme un critère d’octroi des avantages depuis 1977 jusqu’au CII de 1993 où toute la zone frontalière fait partie de la zone de développement régional prioritaire. 

Le programme de développement rural (PDR), le PDRI et le PNS ensuite ; ont contribué à améliorer les conditions de vie dans les campagnes et les zones d’ombre, désenclaver plusieurs zones et créer des dynamiques locales au point qu’il y a eu même des amorces de reprises, certes limitées et localisées, mais réelles. 

Mais maintien de la position des régions et des gouvernorats 

• Au niveau régional, les régions et les gouvernorats occupent la même place depuis un demi-siècle, il y a peu de changement dans l’ordre spatial. Le rang des régions et des gouvernorats est resté inchangé. Les programmes régionaux de Développement n’ont pas dépassé 11% des investissements ce qui reste très faible, dérisoire si on sait que les PRD concernent tous les gouvernorats.

 La migration constitue toujours l’expression de la dynamique spatiale, on peut utiliser à ce titre le solde migratoire comme indicateur. A l’exception de quelques intermèdes, liés à la mise en place de certains projets (Sahel, Gabes, Sidi Bouzid…) ou la promotion administrative et qui ne dépassent pas la décennie, les cartes et les soldes migratoires reflètent bien cette dynamique. Il semble même qu’on revient un peu au schéma spatial du départ à des nuances près : toutes les zones présentent un solde migratoire négatif à part Tunis, le CE et un peu le NE alors que pendant les années 1970-80, on avait un schéma plus complexe et plus diversifié. Le CO est devenu récemment une grande zone de départ dépassant ainsi le NO en termes de départ entre 1999-2004 (INS 2004) ? 

• L’Etat, consciemment ou non, est intervenu massivement sur le littoral (remplacement des colons, crise de Bizerte et reconversion, espaces plus dynamiques et mieux placés…) si bien qu’au clivage traditionnel et hérité  Nord-Sud, lié à la nature et l’histoire (y compris la colonisation des terres riches du Tell), s’est substitué un nouveau clivage Est-Ouest, expression de la Tunisie indépendante. Le littoral s’est renforcé davantage, les espaces extrêmes se trouvent consolidées avec les ports (Gabes), le tourisme et les aéroports (Jerba), les zones franches (Bizerte, Zarzis) et plus récemment le réseau autoroutier et les terminaux d’Enfidha. 

• L’absence de visibilité fait que le développement régional soit conçu comme un saupoudrage : Les Programmes Régionaux de Développement (PRD) regroupent depuis 1986 tous les programmes à caractère général qui touchent tous les gouvernorats tandis que les conseils régionaux exceptionnels sont souvent présentés comme un don du pouvoir central sous la forme d’un ensemble d’actions peu intégrées touchant tous les domaines allant du jardin d’enfant au parc urbain ou à la cimenterie ? 

• Le développement régional n’a été formulé clairement qu’avec le VI° Plan (1982-86) si on excepte les Perspectives décennales (1962-1971), mais la crise du milieu des années 1980 va marquer un arrêt et l’abandon de nombreux projets. Le Programme de l’ajustement structurel (PAS) adopté par la Tunisie, va placer la question régionale, au second plan et donner de nouveau la priorité à l’ordre national.

La fusion avec l’Aménagement du territoire (COGEDRAT) n’a pas duré que deux ans (1986-1988) et de nouveau le CGDR va être chargé en 1988 des zones littorales tandis que les offices de développement vont se charger des trois régions intérieures (ODS, ODCO et ODSPNO). La zone où on accorde le plus d’avantages n’a attiré jusque là que peu d’investissements (18%). 

• Les écarts entre la ville et la campagne se sont réduits au niveau des équipements classiques, ils sont loin de l’être sur le plan du niveau de vie exprimé par la Dépense par personne /an (DPA) dont l’écart reste à peu près le même entre 1975 (1,81) et 2005(1,87). Sur un autre plan, des écartsapparaissent ou se creusent au niveau des nouveaux équipements (ordinateur, téléphone fixe, TIC, internet…). 

4.3- Des efforts de  décentralisation et de déconcentration 

La concentration des activités était telle sur le littoral qu’elle a nécessité la mise en œuvre de mesures de déconcentration et de décentralisation dès le milieu des années 1970. Plusieurs mesures ont été prises qui touchent la déconcentration administrative, universitaire, hospitalière et industrielle. La dimension régionale est introduite comme un critère d’octroi des avantages dans les différentes législations en découpant le pays en zones à avantages différentiels (Foprodi 1977, loi 1981, loi de 1987, Code d’Incitation aux Investissements de 1993). Il est vrai que depuis, de nombreux progrès ont été réalisés, Tunis ne représente que 42% des étudiants, 52% des labo et Unités de recherche, 32% de l’emploi industriel.

 Qui restent limités 

• Les mécanismes mis en place depuis le milieu des années 1970 ont été timides et insuffisants. Les différentes mesures préconisées (FOPRODI de 1977, loi API 1981, Loi 1987, Code d’Incitation à l’investissement de 1993…) relèvent plutôt de la déconcentration. Les sociétés qui ont transféré leur siège social, ont gardé souvent un important service commercial dans la Capitale. 

• Les zones qui en profitent le plus des mesures prises depuis le milieu des années 1970 sont celles qui se trouvent aux environs des grands centres qui profitent à la fois des incitations accordées et des aménités que leur offre la proximité des grandes villes : la zone B du Foprodi, la zone III des lois de 1981 et 1987 de l’API. 

• La zone frontalière qui dispose le plus d’avantages, n’a attiré que moins de 3% des investissements textiles, le secteur le moins capitalistique et qui n’exige pas une main d’œuvre très qualifiée ? 

4.4- Développement régional et aménagement du territoire : Du retard et des hésitations

Dans un pays en voie de développement, il est très dangereux de laisser le marché ou l’extérieur régir l’organisation du territoire (M Santos) tant que les enjeux sont de taille. La Tunisie a attendu une trentaine d’années pour se doter de son premier Schéma National d’Aménagement du Territoire en 1985, il n’a pas eu le temps de se concrétiser sur le terrain puisqu’un second Schéma a été élaboré une décennie après (1996-98) dans un contexte de crise (PAS) et de mondialisation au point que le parti choisi a été à l’opposé du premier et que la dernière phase de l’étude n’a pas été rendue publique ?

De l’autre côté, les hésitations de rattachement de l’aménagement du territoire sont significatives du manque de visibilité de la question spatiale. La DAT a été rattachée au début à la fin des années 1960 à l’économie, puis à l’équipement, au plan, à l’agriculture, à l’environnement, enfin de nouveau à l’équipement ? 

5- Les expressions spatiales 

L’expression spatiale de ce double processus contradictoire se manifeste à travers la concentration de la dynamique spatiale sur le littoral, l’étanchéité de la frontière et l’absence d’un contre pouvoir territorial. 

5.1- La concentration des ressources et des potentialités 

L’une des expressions de cette évolution de la Tunisie indépendante est la concentration de la population, de l’urbanisation, des richesses, l’investissement (public et privé), du système productif. 

                                                    Part de Tunis et du littoral  en % 

Population Pop. Urbaine Investis

sement%

 industrie%

Tourisme%

AgricultureClubs InternetLa capitale22,732323111-44,6Le littoral68,4 8094956087

Source : INS 2004, A Belhedi 1992, 2007, 

Cette concentration est porteuse de déséquilibres dans la mesure où elle est appelée à s’accentuer du fait même des effets cumulatifs des mécanismes du marché où le capital fixe (mobilisé dans l’espace) attire le capital mobile, encore libre selon un cercle vicieux dont la rupture n’est ni facile, ni évidente. 

L’analyse montre qu’il y a une triple corrélation : d’abord entre l’investissement à une période donnée (It) et celui de la période suivante (It+1) ; ensuite entre l’investissement public (IP) et l’investissement privé (Ip), enfin entre l’investissement et les autres indicateurs socio-économiques (urbanisation, emploi, DPA, scolarisation…). 

Comment corriger cette dynamique périlleuse et en faire un cercle vertueux sans casser le rythme de la croissance ? 

5.2- De fortes pressions sur le milieu 

Cette concentration sur le littoral fait que d’un côté on assiste à de fortes pressions sur le sol et les ressources sur le littoral et dans les grandes villes au point où la problématique de préservation est devenue impérative. L’urbanisation, le développement industriel, le tourisme en expansion, l’intensification agricole et les besoins d’espaces récréatifs font que la pression est forte sur ces espaces.

A l’intérieur, le rapport au milieu devient problématique aussi dans la mesure où l’abandon de l’agriculture et l’exode dans le cas des zones de dépeuplement, la surexploitation des ressources en sol, en eau ou de la forêt au Nord Ouest posent le problème de l’équilibre qui devient partout instable et fragile.

Dans un cas comme dans un l’autre, il s’agit de préserver l’équilibre en adoptant des mesures variables selon les zones pour instaurer un rapport avec le milieu, viable et soutenable. Un rapport variable selon les zones qui consiste tantôt à encourager le départ et l’émigration pour alléger la pression démo-économique, tantôt à favoriser l’intensification, le maintien et la rétention des populations là où les ressources les permettent. 

5.3- La Tunisie entre la mondialisation et la construction maghrébine 

La mondialisation est appelée à renforcer la concentration littorale et au sommet de la pyramide urbaine même si on assiste à un certain affinage des rôles et des fonctions notamment pour la Capitale au profit du NE, voire du Sahel. La nouvelle plateforme portuaire et aéroportuaire d’Enfidha va combler le hiatus qui se trouve entre le Sahel et le Cap Bon. L’analyse de la carte des implantations des entreprises NTIC montre la primauté de Tunis et du littoral et le schéma de diffusion du réseau autoroutier reprend, à quelques nuances près, le schéma de diffusion ferroviaire ou routier ?  La Tunisie de demain est déjà tracée ?

L’intérieur se trouve marginalisé, voire condamné parfois à l’action sociale et à l’assistance. Le dernier Schéma National d’Aménagement du territoire (SNAT) de 1998 a dressé une ligne de partage (pas des eaux) de la Tunisie de demain : une Tunisie de l’économique et une Tunisie du social, un espace littoral rentable et un espace intérieur démuni à soutenir. Cette ligne serait-elle une simple proposition mal venue ou le destin inévitable inavoué ? On a parlé même, à un certain moment pendant les années 1990, du développement en fonction des ressources propres à chaque région. Un slogan intégrateur qui cache la fin du territoire dont l’un des fondements est la solidarité ? Le schéma de 1985 préconisait l’équilibre alors que celui de 1998 a choisi la littoralisation  en l’espace d’une décennie ? 

La zone frontalière, est-elle destinée à être un simple cul de sac, où seuls le contrôle et le social seraient permis devant l’étanchéité des frontières d’un Maghreb qui n’existe que dans l’imaginaire de quelques générations trop imaginatives ou peu réalistes ? Les espaces intérieurs, du moins ceux qui correspondent à la Tunisie actuelle, n’ont pas été toujours des marges et des impasses pourvu que les pouvoirs en place s’ouvrent un peu ? La construction maghrébine est susceptible d’en faire un espace d’échange, une interface qui équilibre le poids trop lourd du littoral, si on veut éviter que l’intérieur se transforme de plus en plus en une série d’arrière-pays mobilisés et vidés au service des foyers littoraux. 

5.4- L’étape critique dans l’histoire du pays 

La Tunisie se trouve actuellement à une étape critique pour l’action régionale, celle qui correspond à une part de l’industrie dans le PIB entre 15% et 20% (J Friedman 1966) et un niveau intermédiaire du revenu/hab (Williamson 1965). Par la suite, l’action régionale risque de ne plus être possible.

Le rapport de la Banque Mondiale de 2009 met l’accent sur le rôle des institutions appropriées dans le processus de développement, avant même les connectivités (les infrastructures) et l’intégration. Il montre aussi la centralité de la mobilité et des proximités. Il relève que l’inégalité génère la pauvreté, or le développement est un processus inégalitaire par essence, d’où la nécessité de l’intégration territoriale notamment durant les premières étapes du processus. 

Il s’agit de doter la Tunisie d’une structure spatiale viable et durable, susceptible de réduire les écarts et où il s’agit de modifier le rapport à l’espace. La question n’est pas d’enrayer les écarts, qui sont nécessaires même pour une compétitivité saine des différentes régions d’un territoire dont le fondement même s’appuie sur la solidarité et l’équité. Il s’agit de ne pas dépasser le seuil de l’acceptable en acceptant les déséquilibres inévitables mais contrôlables et supportables. 

Au début, l’Etat indépendant s’est attelé à corriger les déséquilibres inhérents à l’ordre colonial, l’évolution durant un demi siècle a montré que d’autres déséquilibres se trouvent générés (même si on n’a pas corrigé totalement les anciens) qu’il convient maintenant de corriger. Mais à défaut d’une vision claire de la dimension spatiale, on se trouve maintenant devant les mêmes défis de départ, les données et l’échelle ont simplement changé? 

Faute d’une vision claire de la question spatiale, les dérapages ont été nombreux et les déséquilibres ont été à la taille des réalisations. Faudrait-il un autre demi siècle pour corriger les défaillances liées à la mondialisation avec un Etat de moins en moins engagé qu’auparavant ? 

5.5- Une structure spatiale viable et durable 

La problématique consiste à doter le pays d’une structure spatiale durable permettant de préserver les équilibres, la solidarité des différentes régions du pays, le développement équitable en réduisant les écarts tout en préservant les opportunités de croissance et en favorisant les espaces compétitifs. 

Le développement durable ne se limite pas aux ressources, il se pose aussi au niveau de l’organisation de l’espace qui doit permettre un développement soutenable et l’amélioration du cadre de vie en consolidant les espaces, porteurs de croissance et vecteurs de développement et de progrès, quelque soit le scénario à envisager, en gardant les déséquilibres dans les limites du supportable. 

5.6- Centralité de l’Etat et nécessité d’un contre-pouvoir  territorial 

Quelque soit le scénario envisagé, le rôle de l’Etat est central mais le rôle des différents acteurs est cependant à re-visiter. Les collectivités locales sont à réhabiliter pour pouvoir constituer un contre-pouvoir, nécessaire même à la survie de l’Etat moderne si on voudrait éviter les dérapages. 

Au nom de la modernité, l’Etat a tout fait pour remplacer le pouvoir traditionnel (tribal, arch) et briser les identités territoriales classiques (liens horizontaux d’autorité ou d’appartenance) allant jusqu’à modifier les noms des lieux et des personnes. Faudrait-il maintenant dépenser les mêmes efforts et attendre la même durée pour créer de nouveaux liens susceptibles de rééquilibrer le poids écrasant, sans contrepoids, du pouvoir central ? Devant la pression croissante du mondial et de la globalisation, le local constitue-t-il l’alternative ou un simple substitut pour conserver le pouvoir tout en sauvant la forme ? 

La citoyenneté passe à travers l’équité spatiale (et non l’égalité), à côté de l’équité sociale. Dans toutes les démocraties du monde, la représentation démocratique des populations, s’opère à travers la représentation territoriale. Avant tout, on est représentant d’une ville, d’une collectivité, d’un gouvernorat ou d’une région. En second lieu, à l’instar de la société civile, il faudrait créer un contre-pouvoir territorial réel pour équilibrer le jeu des acteurs et ne pas laisser tout seul l’Etat ou le parti-Etat. La redistribution des pouvoirs et la délégation d’une partie aux collectivités territoriales exige souvent un Etat fort qui émane de la société civile ou une société civile plus agressive qui arrive à conquérir une partie du pouvoir ? Voila un autre cercle vicieux qu’il convient de rompre. Le territoire n’est que l’image de la société et dont l’organisation porte la marque du rapport société politique/société civile. 

Bibliographie 

Banque Mondiale  – 2009 : Repenser la géographie économique.
http://www.worldbank.org/wdr2009

Belhedi A – 1992 : L’organisation de l’espace en Tunisie. PUT, FSHS

Belhedi A – 2007 : Le rayonnement spatial des villes tunisiennes à travers la diffusion des entreprises multi-établissements pour l’innovation. Cybergeo, Revue Européenne de Géographie, 372.

Friedman J – 1966 : Regional Development Policy : A Case of Study of Venezuela. Massachusetts, MIT Press, 280p

INS : Recensements général de la population et de l’habitat 2004

Williamson J. I – 1965 : Regional Inequality and the Process of National Development. Economic Development and Cultural Change, 4, 3-84

                                                                       Tunis, 22 janvier 2010

                                                                        Tunis, 05 février 2010

Publié dans Communication, Publication | Pas de Commentaire »

 

Hoganscarpe2013 |
sciencesVauvert |
Minion86 |
Unblog.fr | Annuaire | Signaler un abus | Methods to raise your inter...
| Tips on how to increase you...
| ON-LINE News channel